فقال الفرّاء: يا أمير المؤمنين، إن طباع أهل البدو الإعراب، وطباع أهل الحضر اللّحن، فإذا تحفّظت لم ألحن، وإذا رجعت إلى الطّبع لحنت. فاستحسن الرّشيد قوله [1].
وقال ثعلب: العرب تخرج الإعراب على الألفاظ دون المعانى، ولا يفسد الإعراب المعانى، وإذا كان الإعراب يفسد المعنى فليس من كلام العرب.
وإنّما صحّ قول الفرّاء، لأنّه عمل النحو والعربيّة على كلام العرب، فقال: كلّ مسألة وافق إعرابها معناها، ومعناها إعرابها، فهو الصحيح، وإنما لحق سيبويه الغلط، لأنه حمل [2] كلام العرب على [المعانى [3]] دون الألفاظ [4]، ولم يوجد فى كلام العرب وأشعار الفحول إلّا ما المعنى فيه مطابق [5] للإعراب، والإعراب مطابق للمعنى.
قال: وما نقله هشام [6]، عن الكسائىّ، فلا مطعن فيه، وما قاسه فقد لحقه فيه المغمز [7]، لأنّه سلك بعض سبيل سيبويه، فعمل العربية على المعانى وترك الألفاظ، والفرّاء حمل العربيّة على الألفاظ والمعانى، فبرع واستحقّ التّقدمة،