ولما نزل الزمخشرىّ مكة شرفها الله تعالى- وجد بها الشريف السيد الفاضل الكامل أبا الحسن على بن عيسى بن حمزة الحسنى [1]، فعرف قدره، ورفع أمره، وأكثر الاستفادة منه، وأخذ عن الزمخشرىّ وأخذ الزمخشرىّ عنه، ونشّطه لتصنيف ما صنّف، وتأليف ما ألّف- قال الشريف مادحا للزمخشرىّ:
جميع قرى الدّنيا سوى القرية التى ... تبوّأها دارا فداء زمخشرا
وأحر بأن تزهى زمخشر بامرىء ... إذا عدّ فى أسد الشّرى زمخ الشّرى [2]
توفى الزّمخشرىّ- رحمه الله- بكر كانج، وهى قصبة خوارزم، ليلة عرفة من سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
وكان الزمخشرىّ- رحمه الله- مقطوع الرجل، قد جعل له رجلا من خشب يستعين بها فى المشى، ولما دخل بغداذ سأله الدامغانىّ [3] الفقيه الحنفىّ عن سبب قطعها، فقال: دعاء الوالدة؛ وذلك أننى فى صباى أمسكت عصفورا وربطته بخيط فى رجله، وانفلت من يدى، فأدركته وقد دخل فى خرق، فجذبته، فآنقطعت رجله فى الخيط، فتألمت أمّى لذلك وقالت: قطع الله رجل الأبعد كما قطع رجله، فلما وصلت إلى سن الطّلب رحلت إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت الرجل، وعملت عملا أوجب قطعها.
وذكره صاحب الوشاح،- ذكره بألقاب وسجع له على عادته فقال: «أستاذ الدنيا، فخر خوارزم، جار الله العلامة أبو القاسم محمود الزّمخشرىّ من أكابر