بأبهة السلطنة وعدا الفرات من البيرة، فراسله عثمان بن طورغلي وهو المعروف بقرا يلك يسأله الصلح ويخضع له، فلم يصغ إليه بل قال: لا أرجع عنه إلا أن جاء وقبل رجلي في الركاب، فإن شئت عفوت عنه وإن شئت قتلته، فرجع رسله إليه بذلك فاستعد للحصار، وأشار على جكم أكثر من معه من الأمراء أن يقبل هدايا قرا يلك ويرضى منه بالطاعة ويحقن الدماء ويرجع فلم يصغ لذلك، ثم وصل إليه الملك الطاهر عيسى صاحب ماردين وحاجبه فياض وكانا شيخين كبيرين قد طالت مدتهما في مملكة ماردين فأطاع جكم ووصل إليه بعسكره، فقوي عزمه على حرب قرا يلك واستند إلى ما شهر عن المذكور من الظلم والإفساد، فلما قربوا من آمد حطموا على التركمان واشتبك القتال، فقتل ولد قرا يلك في المعركة فانكسر التركمان، فتبع جكم آثارهم فوقعت فرسه في حفرة من الحفر التي جرت عادتهم بإعدادها للمكيدة؛ وقيل: بل جاءه حجر رماه به تركماني في مقلاع فأدماه، فوقع من فرسه وتكاثروا عليه وذبحوه وانهزم عسكره، فلما فقد وتحقق قرا يلك قتل جكم أمر بالتفتيش عليه بين القتلى، فوجدوه فلم يعرفوه إلا بترسه وبحناء رجليه وكان لا يفارق ذلك، وانهزم عسكر جكم هزيمة شنيعة، ونهبتهم التركمان، واستلبوا منهم الخيل والبغال والجمال والأمتعة ما لا يوصف كثرة، وقتل في الوقعة ناصر الدين بن شهري الحاجب كان بحلب ومقبل نائب عينتاب الإربلي وصاحب ماردين وحاجبه، وهرب تمربغا المشطوب فاختفى، وكانت الوقعة في خامس عشر ذي القعدة، ووصل خبرها إلى الشام في ذي الحجة، ووصل إلى مصر في أواخرها