الظاهر في ولاية القاهرة، فلم يزالا به حتى بطش بمحمود وآل أمره إلى استنقاذ أمواله ومؤنه بحبس أولى الجرائم، وتقلب ابن غراب في ماله فيما يستحيى من ذكره لكثرته، ولازم خدمة ابن الطبلاوي إلى أن رقاه فولي نظر الخاص، ثم ناطح ابن الطبلاوي إلى أن قبض عليه بإذن الظاهر، ثم كان من أوصياء الظاهر، ثم اختص بيشبك فكان معه ظهيراً له في تلك الحروب والتقلبات حتى ذهب إيتمش وتنم وغيرهما من أكابر الظاهرية. ثم تشتت شمل أكثر الباقين، وتمكن ابن غراب حتى استحضر أخاه فخر الدين فقرره وزيراً، ثم استقر في كتابة السر ونظر الجيش، وأضاف إليه نظر الخاص، ثم لبس الأستادارية، ثم تزيا بزي الجند وضرب على بابه الطبول، وعظم جداً حتى أنه لما مرض كان الأمراء الكبار يعودونه قياماً على أرجلهم، وكان هو السبب في فرار الناصر وتركه المملكة وإقامته عنده تلك المدة مختفياً حتى تمكن مما أراد من إبعاد من يود الناصر وتقريب من يبغضه، فلما تكامل له جميع ما أراد لحظته عين الكمال بالنقص، فمرض مدة طويلة بالقولنج إلى أن مات، فلما عاد الناصر إلى المملكة بتدبير ابن غراب ألقى إليه بالمقاليد، فصار يكثر الامتنان على جميع الأمراء بأنه أبقى لهم مهجهم وأعاد إليهم ما سلبوه من ملكهم وأمدهم بماله عند فاقتهم، وكان يصرح بأنه أزال دولة وأقام أخرى، ثم أعاد الأولى من غير حاجة إلى ذلك، وأنه لو شاء أخذ الملك لنفسه من غير مانع، وأهان كاتب السر فتح الله وصادره ولبس مكانه، ثم ترفع عن كتابة السر فولاها كاتباً عنده يقال له الفخر ابن المزوق، وكانت جنازته مشهودة، فمات ضحوة نهار الخميس ليلة التاسع عشر من رمضان وبات في قبره ليلة الجمعة وتعجب الناس لذلك، ولا عجب فيه فقد مات الحجاج ليلة سبع وعشرين من رمضان، ولكن كان ابن غراب محبوباً إلى العامة لما قام فيه في الغلاء والفناء من إطعامه للفقراء وتكفينه الموتى من ماله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015