وفي أواخر المحرم عقد مجلس بالقضاة والخليفة والأمراء واشتوروا فيما بلغهم من أمر العدو وهل يجوز أن يأخذوا من التجار نصف أموالهم أو ثلثها للاعانة على تجهيز الجيوش لملتقاه، فتكلم القاضي الحنفي جمال الدين الملطي وقال: إن فعلتم بأيديكم فالشوكة لكم وإن أردتم ذلك بفتوانا فهذا لا يجوز لأحد أن يفتي به والعسكر يحتاج لمن يدعو له فلا ينبغي أن يعمل شيء يستجلب الدعاء عليه، ثم اشتوروا ثانية في ارتجاع الأوقاف وإقصاعها لمن يستخدم، فعارضهم الملطي أيضاً وقال: القدر الذي يتحصل منها قليل جداً والأجناد البطالة لا يستنصر بهم إلا مع من غلب ووظيفتهم النهب، فانفصل المجلس على ذلك فكانت هذه من حسنات الملطي، ووعى هذا المجلس يلبغا السالمي فلم يرجع عنه حتى عمل ما منعهم منه الملطي، بعد ذلك وجرى له عقب ذلك ما لا خير فيه، ثم تواردت الأخبار بأخذ تمرلنك غالب البلاد الشمالية، فاضطرب أهل حلب ونقلوا أموالهم إلى القلعة ومنهم من فر إلى البلاد القريبة وغلت أسعار الجمال والحمير وتجهز نائب حلب بعسكرها ومن انضاف إليهم من العرب والتركمان ولما بلغت هذه الأخبار أهل الدولة بمصر أرسلوا إلى النواب بالبلاد بجمع العساكر والتوجه إلى حلب فاجتمعوا كلهم بحلب وهو نائب صفد ونائب حماة دقماق ونائب دمشق سودون قريب السلطان ونائب طرابلس شيخ الذي ولي السلطنة بعد ونائب غزة ومعهم من العسكر تقدير ثلاثة آلاف فارس، ثم شرع السلطان في التجهيز فأرسل تمرلنك إلى دمرداش نائب حلب يعده بأن يبقيه على نيابته بشرط أن يمسك سودون نائب الشام، فاطلع دمرداش على ذلك سودون فوثب على الرسول فضرب عنقه، فلما بلغ ذلك تمرلنك نازل حلب وذلك في العشر الأول من ربيع الأول، واشتور الأمراء فأشار بعضهم بالبروز إلى ظاهر البلد والقتال هناك وأشار البعض بالإقامة والقتال على الأسوار إلى أن يحضر العسكر المصري وأشار دمرداش لأهل البلد بإخلائها والتوجه حيث شاؤوا، فغلب أهل الرأي الأول وضربوا الخيام ظاهر البلد