موته وذلك في رمضان سنة تسع وستين، ولم يكمل حينئذ عشرين سنة، واستمر إلى أن عزل في أول الدولة الظاهرية بأوحد الدين، ثم أعيد بعد سنتين، ثم عزل بعلاء الدين الكركي، ثم أعيد ثم مات في هذه السنة في شوال، فباشر الوظيفة نيفاً وعشرين سنة، وكان مهيباً ساكناً قليل الكلام جداً قليل الاجتماع بالناس قصير البضاعة في البلاغة جداً إلا أن خطه حسن، وكان يستر نفسه بقلة الكلام وقلة الاجتماع. وكان يدعي أن ذلك من شأن وظيفته، وكانت له محاسن عديدة، وقام في مواطن محمودة، ونصيحته لمن يخدمه مشهورة، وعنوان شعره ما كتبه للملك الظاهر من دمشق لما تخلف مع منطاش:
يقبل الأرض عبد بعد خدمتكم ... قد مسه ضرر ما مثله ضرر
والشغل يقضى لأن الناس قد ندموا ... إذ عاينوا الجور من منطاش ينتشر
والله إن جاءهم من عندكم أحد ... قاموا لكم معه بالروح وانتصروا
وقرأت بخط ابن القطان وأجازنيه أنه قرأ على الشيخ بهاء الدين بن عقيل، وعلى الحاوي في الفقه وفي ألفية ابن مالك حتى صار يعرب في القرآن وأنا حاضر والشيخ فخر الدين الضرير فيجيد ذلك، وكان والده قد حرص على أن يكون عالماً فشغلته الخدمة عن التمهر في ذلك، وكان واسع الجاه لكنه لا يملك نفسه عند الغضب وتصدر منه أمور صعبة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمرو المقدسي الصالحي الحنبلي ناصر الدين، ولد سنة ثمان وسبعمائة وأحضر على محمد بن علي بن عبد الله النحوي جزء ابن ملاس وسمع على عم أبيه التقي سليمان شيئاً كثيراً وغيره وأجاز له الكمال إسحاق النحاس وأولاد ابن العجمي الثلاثة وتفرد بالرواية عنهم مات في رجب.