ثم ولي بعد ذلك نظر المواريث إلى الحبشة رسولاً من قبل السلطان، وكان السبب في ذلك أن بعض الحبشة وصلوا إلى قرب أسوان وأفسدوا في نواحيها وخاف منهم أهلها فطالعوا السلطان بذلك، فأرسل إلى بترك النصارى اليعاقبة متى بن سمعان فتهدده، فأرسل من جهته رسلاً لكشف الخبر، ثم كتب إلى ملك الحبشة ينكر عليه ويأمره أن لا يحدث حادثاً، وجهز إبراهيم المذكور من جهة السلطان بالكتب.
وفي صفر ورد الخبر إلى دمشق بعزل القاضي برهان الدين التادلي قاض المالكية واستقرار الشيخ برهان الدين الصنهاجي عوضه، فامتنع البرهان وصمم فبقي المنصب شاغراً إلى أن استقر علم الدين القفصي في جمادى الأولى.
وفيها هبت ريح عظيمة بدمشق فأتلفت كثيراً من الأشجار وقلعتها بعروشها، وشاهد أهل دمشق من ذلك هؤلاء عظيماً.
وفيها استقر حضر شخص عجمي عند برقوق وأخبره أن النيل يتوقف من مستهل جمادى الأولى فلا يزيد بعد ذلك شيئاً، فأمر بحبسه، فاتفق أن النيل زاد في ذلك اليوم خمسة عشر إصبعاً وفي اليوم الذي يليه ستة عشر فأحضر العجمي وأمر بضربه، فضرب مقترحاً مائة عصى وجرس، فشفع فيه مأمور الحاجب فأطلق، وأوفى النيل في عاشر الشهر المذكور ولله الحمد.
وفيها غضب برقوق على جمال الدين المحتسب وأمر بنفيه فخرج، ثم شفع فيه فأعيد إلى بيته بطالاً، وكان ذلك في أوائل شعبان، وكان السبب فيه أن برقوق تكلم بالتركي في حق القضاة بسبب من الأسباب نقل له عن بعضهم فقال: ما هم مسلمين، فذكر ذلك جمال الدين لصدر الدين بن منصور قاضي الحنفية فذكره ابن منصور لبرهان الدين بن جماعة واستشاره في عزل نفسه فسكنه، وركب ابن جماعة إلى برقوق فذكر له ذلك، فغضب على جمال الدين وعزله، وقرر في الحسبة تاج الدين المليجي ثم أعيد جمال الدين إليها في ذي القعدة.