السماء من أوائل يوم الأحد إلى أواخر يوم الاثنين مطراً متصلاً ومنه ما هو شديد جداً مع برق ساطع ورعد صادع ثم استمر الجو في غالب الأوقات مغلساً والمطر يتعاهد الارض والهواء عاصف فشق ذلك على الناس لإتيانه لهم على غفلة لكنه أغناهم عن الاستقاء من بر التركية، ثم صحت السماء يوم السبت خامس عشري الشهر وحميت الشمس فاتفقت فيه كثرة إصابة المكحلة والمنجنيق وتواردهما على مكان واحد من الجدار فأوهناه وهنا شنيعاً وأسرعنا إلى إفساده إسراعاً ذريعاً، فخاف الكفار من الدنو إلى ذلك المكان، فاتفق أن قاربه اثنان من المسلمين فعلما ذلك فلاصقا الجدار وتابعهما الناس وأسرع إليهم النقابون وستروهم بالأتراس. وجاء الفرنج وأكثروا من رمي الحجارة، فيسر الله تعالى نقبه، وتلاحق الناس بالحنويات وجدوا في الأمر، وكانت القتلى مع ذلك قليلاً، وجاء الليل فأرخى ستره وأسبل سرباله فكانت حجارتهم تنزل على غرة فغلبت السلامة، وضاق النقب على الحجارين فستر لهم بابه بالاخشاب فأوسعوا، وجد الجد عند الصباح وعظم الهد لما دعا داعي الفلاح، وحم الأمر وجاء النصر، ودقت فينا البشائر، وشقت منهم بعد الجدر المرائر فقذف الله في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين، فطلبوا الأمان عند الشروق، فكفوا عنهم النبل ودلوا كبيرهم إلينا بحبل، فوقع الصلح على أن يكفوا عنهم القتل، وعن أهلهم ويتركوا حصنهم بما فيه، فكان ذلك من الألطاف الخفية والآيات النبوية، وكانت عدتهم نحو مائة وخمسين ورحالهم ستين، والله أعلم بعدة قتلاهم! فقد سئل اثنان بحضوري مفترقين فاختلف كلامهما اختلافاً كثيراً، وقتل منا أكثر من ثلاثين وجرح كثير، فصعد المسلمون إليه وعلوا أكثرهم - عليه، ونكست تلك الأعلام وانتصبت رايات الإسلام، وكسرت الصلبان، وعلت كلمة الإيمان، وزعق هنالك الذعر السلطاني، وحمد ولله الحمد الأمر الشيطاني، وكان يوماً علينا مطيراً، وعلى الكافرين عبوساً قمطريراً، ثم شرعنا في هدم المكان صبح يوم الاثنين سابع عشري شهر، فلم يفرغ إلا وقد ساوت جدرانه الأرض، من طولها والعرض، وسارع إليه الخراب، وصار ماوى الثعالب والذئاب، ولم يبق في تلك الجزيرة ديار، ولا نافخ نار،