فلما تجهز الأمراء وصل الخبر بالإستغناء عن ذلك فأمر برجوعهم فرجعوا بعد أن رحلوا مرحلة واحدة، وقيل كان السبب أن نائب الشام أرسل يذكر للسلطان أنه لا حاجة إلى إرسال أحد من مماليك السلطان، فتخيل منه وأراد إختبار حاله فأرسل له كتاباً صحبة ساعي يستدعى حضوره إلى القاهرة، فوصله الكتاب وهو راكب فخرج في الحال إلى ظاهر دمشق واستدعى آلة السفر وتوجه فوصل في سادس جمادى الآخرة، فأكرمه السلطان وخلع عليه بالإستمرار، وعمل له السلطان ضيافة بخليج الزعفران، وسافر في ثالث عشر الشهر الذي جاء فيه.
وفي هذه السنة قرئ البخارى على العادة، فكثر من يحضر من آحاد الطلبة الذين يقصدون الظهور ومنعوا فشغبوا، وصار لغطهم يزيد وسوء أدبهم يفحش فهددوا فلم يرتدعوا، فأمر السلطان في المجلس الثاني أن تكون القراءة في القصر التحتاني، وصار إذا جاء يجلس في الشباك الذي يطل من القصر الفوقاني على القصر التحتاني، وحصل بذلك للقضاة ولأعيان المشايخ اتضاع منزلة، وعظم اللغط بالنسبة لما كان يحضره السلطان، وصار السلطان بعد ذلك يتشاغل بكتابة العلامة فيجتمع عنده من يتعلق بها ويصير بالتبعية له في أعلى منزلة بالنسبة لمن هو في الحقيقة فوقهم؛ ولما رأى ابن البلقيني أنه ما بقي يظهر له مقصود انقطع عن الحضور، واستمر إلى سنة أربعين، فسعى في العود كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وفيها توجه قرقماس الشعباني وهو يومئذ الحاجب الكبير إلى الصعيد، فلاقاه موسى بن عمر شيخ عرب هوارة وقدم له تقدمة، فلما رجع بلغ موسى أن ابن عمه عمران استقر مكانه وعزله، فخاف موسى ودخل البرية بمن أطاعه، وتوجه الوزير إلى قرقماس ليتعاونا على رجوع موسى فعجزا عنه. ثم لم يزل الوزير يراسل موسى ويتلطف به حتى عاد، وأحضره إلى السلطان فخلع عليه ثم أمسكه بعد أيام ثم حبسه، فبلغ ذلك عربه فأفسدوا في البلاد وأحرقوا الغلال، ووصل عبد الدائم شيخ الفقراء ومعه طائفة من الفقراء في شوال، فهرع الناس للسلام عليه والتبرك به، وكان قد أذن لموسى بن عمر في التوجه