وفيها حفرت بعيون القصب بئر عظيمة فعظم النفع بها، وكانت عيون القصب تجري من واد عظيم ينبت فيه القصب الفارسي ويجري الماء بين تلك الغابات، وكان للحاج به رفق بحيث يبيتون فيه ليلة، ثم عمرت تلك العيون وصاروا يقتنعون بالحفائر، وكان الماء الذي يخرج منها يفسد في ليلته، فأشار ناظر الجيش لما حج بحفر بئر هناك فخرج ماؤها عذباً، وحفروا قبل ذلك بئرين بزعيم وقبقاب، فاستغنى الناس بهما عن ورود الوجه، والوجه مكان فيه بئران لا يحصل الماء فيهما إلا بالمطر، فإذا لم يقع المطر ووردهما الحاج لم يجدوا فيهما إلا النزر اليسير، وفي الغالب يقع لهم العطش والهلاك فاستغنوا بالبئرين عن الوجه.
وفيها استقر تاج الدين عبد الوهاب ابن الخطير في نظر الديوان المفرد بعد موت تاج الدين ابن الهيصم، وهو من بيت كبير في القبط، وكان اسمه جرجس ولقبه الشيخ التاج، فأسلم على يد السلطان الأشرف قبل أن يتسلطن، وذلك في الأيام المؤيدية، وخدم في ديوان الخاص، ثم ولاه الأشرف نظر الإصطبل بحكم شغوره عن بدر الدين بن مزهر لما ولى كتابة السر وأستادرية ولد السلطان، فشكرت سيرته وأمانته وحسن سياسته وكثرة بره.
وفي ثاني عشر جمادى الأولى سار سعد الدين القبطي المعروف بابن المرأة إلى مكة بسبب المكس المتعلق بالتجار الواصلين إلى جدة، وخرج معه نحو ألف نفس للمجاورة فلما كانوا فيها بين الوجه وأكرى وجدوا عدة موتى ممن مات بالعطش في العام الماضي، فلما نزلوا رابغ خرج عليهم الشريف زهير بن سليمان بن زبان بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني ومن معه وكانوا نحو مائة فارس وأرادوا نهبه فصالحوهم على مال بعد أن وقعت بينهم مناوشة وقتل بينهم قلائل من الطائفتين، ودخلوا مكة في ثامن عشرى جمادى الآخرة عرب زبيد، فصالحوهم على مائة دينار بذلها ابن المرأة من ماله -.