وفي يوم الأحد الخامس والعشرين من رمضان ختم البخارى بحضرة السلطان، فخلع على القضاة على العادة، وخلع على العيني والهروي جبتين بسمور. فغضب الحنبلي وواجه السلطان وهو لابس الخلعة التي خلعت عليه بالعتاب وأغلظ عليه فحنق منه، وتوجه على غير شئ واستمر مغضباً فلم يحضر يوم العيد فازداد الحنق، ثم إنه استعان بولي الدين السفطي عند رأس نوبة الكبير تغرى بردى المحمودي، فأحضره عند السلطان واعتذر فقبل عذره، ثم إستأذن للحج فأذن له فأكترى وتجهز جهازاً واسعاً وهيأ لنفسه محفة ولأهله عدة محائر، فبلغه أن السلطان أمر أنه إذا قضى حجه من المدينة إلى الشام ويقيم ببلدة حماة بطالاً، فترك الحج وفرق جميع ما هيأه من الزاد حتى كان من جملته مائة علبة حلوى، وتصدق بجميع الدقيق والبقسماط وغير ذلك على الفقراء، فاتفق أنه عقب ذلك سقط من سلم في داره فتألم فخذه، فعولج وأقام مدة متمرضاً ثم عوفى، ودخل الحمام ثم انتكس، فلم يزل حتى عاوده القولنج في السنة المقبلة فمات كما سنذكره. وفي هذه المرة جددت للمشايخ الذين يحضرون سماع الحديث فراجى بسنجاب، وهو أول ما فعل بهم ذلك، وكانت عدتهم نحو العشرين، ثم ازداد الأمر إلى أن زادوا على المائة في سنة 42، ثم قطع جمعهم عن ذلك في سنة 846.
وفي هذه السنة جهز السلطان إلى بلاد الفرنج مركبين وأخرج إليهم من بيروت مركباً ومن صيدا مركبا، فاجتمعوا وعدتهم ستمائة مقاتل وصحبتهم ثلاثمائة فرس، ونازلوا جزيرة الماغوصة فانتهبوها وأحرقوا ما بها من القرى وما بساحلها من المراكب، وقدموا سالمين غانمين وفرح الناس بذلك، وكان رجوعهم في شوال فقدموا في العشرين من ذي القعدة، وكان عدد الأسرى ألفاً وستمائة نفس،