أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، العراقي الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو زرعة، ابن شيخنا وأستاذنا حافظ العصر شيخ الإسلام زين الدين، ولد في ذي الحجة سنة 762، وبكر به أبوه فأحضره عند المسند أبي الحرم القلانسي في الأولى وفي الثانية، واستجاز له من أبي الحسن الفرضي، ثم رحل به الشام في سنة خمس وستين وقد طعن في الثالثة، فأحضره عند جمع كثير من أصحاب الفخر ابن البخاري وأنظارهم، ثم رجع فطلب بنفسه وقد أكمل أربع عشرة سنة، فطاف على الشيوخ، وقرأ بنفسه، وكتب الطباق وفهم الفن، واشتغل في الفقه والعربية والمعاني والبيان، وأحضره مجلس الشيخ جمال الدين الأسنوي ومجلش الشيخ شهاب الدين ابن النقيب وغيرهما، وأسمع على أبي البقاء وقبله القاضي عز الدين ابن جماعة، وأقبل على التصنيف فصنف أشياء لطيفة في فنون الحديث، ثم ناب في الحكم وأقبل على الفقه فصنف النكت على المختصرات الثلاثة، جمع فيها بين التوشيح للقاضي تاج الدين السبكي وبين تصحيح الحاوي لشيخنا ابن الملقن، وزاد عليهما فوائد من حاشية الروضة للبلقيني ومن المهمات للأسنوي، وتلقى الطلبة هذا الكتاب بالقبول ونسخوه وقرأوه عليه، واختصر أيضاً المهمات وأضاف إليها حواشي البلقيني على الروضة، وكان لما مات أبوه تقرر في وظائفه، فدرس بالجامع الطولوني وغيره، ثم استقر شيخاً بالجمالية بعد موت همام الدين، ثم ولى القضاء الأكبر كما تقدم، وصرف عنه فحصل له سوء مزاج من كونه صرف ببعض تلامذته بل ببعض من لا يفهم عنه كما ينبغي، فكان يقول: لو عزلت بغير فلان ما صعب علي! واستيعاب قضاياه يطول، وكان من خير أهل عصره بشاشة وصلابة في الحكم وقياماً في الحق وطلاقة وجه وحسن خلق وطيب عشرة؛