حينئذ، ومال السلطان إلى كاتبه وصار يغمزه بعينه تارة ويرسل من يسر من خواصه أن لا تترك منازعة الهروي، فقوي عليه بذلك وقال حينئذ: يا شيخ شمس الدين! أنت تدعي أنك تحفظ اثني عشر ألف حديث وقد ارتاب من بلغه عنك ذلك في صحته، وأنا أمتحنك بشيء واحد وهو أن تسرد لنا في هذا المجلس اثني عشر حديثا من كل ألف حديث حديثاً واحداً بشرط أن تكون هذه الأحاديث متباينة الأسانيد، فإن أمليتها علينا إملاء أو سردتها سرداً أقررنا لك بالحفظ وإلا ظهر عجزك، فقال: أنا ما أستطيع السرد ولكن أكتب فقال له الإملاء نظير الكتابة فقال: لا، إلا أنا أكتب، فأحضر له في الحال دواة وورق، فشرع يكتب فلم يستتم البسملة إلا وهو يرعد ولم يكتب بعدها حرفاً واحداً وقال: لا أستطيع أكتب إلا خالياً فيأمر السلطان أن أختلي في بيت وأنت في بيت ويكتب كل من حفظه ما يستطيعه، فمن كتب أكثر كان أحفظ، فقال له كاتبه: إنا لم نحضر لنتخاير في سرعة الكتابة، مع أن شهرة كاتبه بسرعة الكتابة غير خفيه ولكن أراد إظهار عجز الهروي عما ادعاه من الحفظ، والتمس منه أن يكتب في المجلس حديثاً واحداً ليتبين للحاضرين خطاءه فيه فلم يستطع فضلا عن أن يمليه، فطال الخطب في ذلك وكل أحد ممن يتعصب له يقصد ان ينصره بكلام وكل احد ممن يتعصب عليه يدفع ما يقول للقائل، وكلما فترت همتهم في ذلك أو كادت يرسل السلطان بعض خواصه لكاتبه يحدفه عليه إلى أن قرب وقت الصلاة للظهر، وكان ابتداء الحضور ضحى النهار فقمنا إلى صلاة الظهر ثم تحولنا إلى البستان على شاطئ البركة الكبرى، فقال السلطان للشيخ زين الدين القمني: ما لك لم تتكلم في هذا المجلس مع الهروي؟ فقال: نعم، أتكلم معه في مسائل الوضوء فإنه لا يعرف شيئاً، وشرع في خطابته على عادة شقاشقه فلم ينجع شيئاً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015