قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الناس مخافة السلطان، أكثر من الذين ينتهون عنها لأمر الله، ففي الِإمام صلاح الدين والدنيا، ولا اختلاف بين الأمة في وجوب الِإمامة ولزوم طاعة الِإمام.
وقال ابن رشد في موضع آخر (18/ 494): (وقال مالك: قال العبد الصالح عثمان بن عفان: ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن، يعني ما يكف الناس عنه بالحدود.
قال محمد بن رشد: تفسير مالك لقول عثمان صحيح، والمعنى فيه أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الله مخافة السلطان أكثر من الذين ينتهون عنها انتهاء لأمر الله عز وجل، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا. ولا اختلاف بين أحد من العلماء في وجوب الإمامة ولزوم طاعة الإمام).
قال ابن العربي (ت 543 هـ) في «أحكام القرآن» ـ ط. الكتب العلمية ـ (3/ 474): (روى أشهب قال: قال مالك بن أنس: قال عثمان: ما يزع الناس السلطان أكثر مما يزعهم القرآن. قال مالك: يعني يكفهم. قال ابن وهب مثله، وزاد ثم تلا مالك: {فهم يوزعون} [النمل: 17] أي يكفون.
وقد جهل قوم المراد بهذا الكلام، فظنوا أن المعنى فيه أن قدرة السلطان تردع الناس أكثر مما تردعهم حدود القرآن. وهذا جهل بالله وحكمه وحكمته ووضعه لخلقه، فإن الله ما وضع الحدود إلا مصلحة عامة كافة قائمة بقوام الحق، لا زيادة عليها ولا نقصان معها، ولا يصلح سواها، ولكن الظلمة خاسوا بها، وقصروا عنها، وأتوا ما أتوا بغير نية منها، ولم يقصدوا وجه الله في القضاء بها؛ فلذلك لم يرتدع الخلق بها. ولو حكموا بالعدل؛ وأخلصوا النية، لاستقامت الأمور، وصلح الجمهور؛ وقد شاهدتم منا إقامة العدل والقضاء والحمد لله بالحق، والكف للناس بالقسط، وانتشرت الأمنة، وعظمت المنعة، واتصلت في البيضة الهدنة، حتى غلب قضاء الله