أن يكون قد نهى ولده عن ذلك فلم يستجب له حتى اضطر إلى الجهر به وإلى نهي الناس عن تزويجه، وإما أن يكون ذلك النهي ابتداء من دون أن يعرف ولده الحسن بغض والده وكراهية أبيه لذلك، وكلا الأمرين بعيدان كل البعد أما الأول، فهو بعيد لأن الحسن رضي الله عنه كان باراً بأبيه ولا يخالفه ولا يعصي أمره، وأما الثاني، فبعيد أيضاً لأن الأولى بأمير المؤمنين أن يعرّف ولده ببغضه وكراهته لذلك ولا يعلن ذلك على المنبر أمام الجماهير الحاشدة، مما يسبب اضطراب في العلاقات الأسرية بين الوالد وولده ومضافاً إلى ذلك أن الأمر إما أن يكون سائغاً شرعاً أو ليس بسائغ فإن كان سائغاً فما معنى نهي أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وإن لم يكن سائغاً، فكيف يرتكبه الحسن؟ إنا لا شك في افتعال هذا الحديث ووضعه من خصوم الحسن بن علي رضي الله عنه ليشوهوا بذلك سيرته العاطرة (?) والتي توجت بمساعيه في وحدة الأمة، وهذه عادة الرواة الكذبة في تشويه سيرة المصلحين وتاريخ الأمة ومن هنا تتضح أهمية علم الجرح والتعديل والحكم على الروايات والدور العظيم الذي قام به علماء الحديث في بيان زيف مثل هذه الأخبار ولذلك ننصح الباحثين في تاريخ صدر الإسلام الاهتمام بنقد مثل هذه الروايات حتى يميزوا صحيحها من سقيمها فيقدموا للأمة خدمة جليلة ولا يتورطوا مثل ما تورط فيه بعض السادة الذين لا نشك في نواياهم بسبب اعتمادهم في بحوثهم على الروايات الضعيفة والموضوعة.

3 ـ ومما يؤيد افتعال تلك الكثرة لأزواجه ما روي أن الحسن بن علي رضي الله عنه لما وافاه الأجل المحتوم خرجت جمهرة من النسوة حافيات حاسرات خلف جنازته وهن يقلن نحن أزواج الإمام الحسن. إن افتعال ذلك صريح واضح، فأنا لا نتصور ما يبرر خروج تلك الكوكبة من النسوة حافيات حاسرات، وهن يهتفن أمام الجماهير بأنهن زوجات الحسن، فإن كان الموجب لخروجهن إظهار الأسى والحزن، فما الموجب لهذا التعريف والسير في الموكب المزدحم بالرجال مع أنهن قد أمرن بالتستر وعدم الخروج من بيوتهن إن هذا الأثر وأمثاله لا يصح ولا يثبت من حيث الإسناد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015