للكتاب والشعراء يهتم بسرد الجوانب الضعيفة في أخلاقهم الشخصية ويهمل الجوانب الجدية إهمالاً ظاهراً يدل على أنه كان قليل العناية بتدوين أخبار الجد والرزانة والتجمل والاغتسال، وهذه الناحية من الأصفهاني أفسدت كثيراً من آراء المؤلفين الذين اعتمدوا عليه، ونظرة فيما كتبه جرجي زيدان في كتابه تاريخ آداب اللغة العربية، وما كتبه طه حسين في حديث الأربعاء تكفي للاقتناع بأن الاعتماد على كتاب الأغاني جر هذين الباحثين إلى الحط من أخلاق الجماهير في عصر الدولة العباسية، وحملها على الحكم بأن ذلك العصر كان عصر فسق وشك ومجون ولا شك أن إكثار الأصفهاني من تتبع سقطات الشعراء وتلمس هفوات الكتاب جعل في كتابه جوّاً مشبعاً بأوزار الإثم، والغواية، وأذاع في الناس فكرة خاطئة هي اقتران العبقرية بالترف والطيش (?). إن الخطر كل الخطر أن يطمئن الباحثون إلى أن لروايات الأغاني قيمة تاريخية، وأن يبنوا على أساسها ما يثيرون من حقائق التاريخ، ولقد كان من أخطر أعمال التغريب هو توجيه الباحثين إلى اتخاذ الأغاني مصدراً لدراسة المجتمع الإسلامي، بينما قصر عند جانب واحد هو جانب اللهو، ولم يتعرض للجوانب الأخرى الجادة في المجتمع وهي متعددة، ومن هنا يوحي حين الاعتماد عليه كمصدر أن الحياة الإسلامية في القرن الثاني الهجري كانت لهواً، وهو ما صرح به طه حسين ورده الكثيرون وكشفوا زيفه ..

كذلك اعتمد المستشرق لامنس على كتاب الأغاني في كتابه تاريخ بني أمية، وكذلك ما أورده المستشرق فلهوزن في كتابه ((الدولة العربية وسقوطها)) ويحاول جبور عبد النور أن يدافع عن الأصفهاني فيسأل: أفمن الضروري إن كان المؤرخ فاسقاً أو مسرفاً يتتبع الإسراف في اللذات والشهوات أن لا يكون مؤرخاً وألا يكون صادقاً فيما يروي أو يقول أو يكتب؟ ونحن نقول له: نعم، في فكرنا الإسلامي، فإن لم يكن في الفكر الغربي كذلك، فهذا أمر آخر، إن فكرنا الإسلامي وضع قواعد البحث والنقد والعلم على أساس الارتباط الجذري بين علم الباحث وشخصيته، فإن كان منحرفاً في حياته، مضطرباً في شخصيته، بعيداً عن الأخلاق والدين، فنحن نرفضه مصدراً علمياً ولا نقبل له شهادة، والأصفهاني بشهادة الجميع من أنصاره وخصومه على السواء مهدور الرأي ساقط الشهادة، وإن فسقه الشخصي قد أدخل كثيراً من هواه على ما أورده، فضلاً عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015