عند كل خبر من أخباره، حتى فلَّيت سطوره وكلماته، واستخرجت قَمْلَه من بين شعراته، واصطبرت عليه اصطبار المجاهدين المرابطين على الثغور، فرأيت نيران الشعوبية والحقد وهي تغلي في الصدور كغلي القدور، وشعرت بنبال الأعداء تتوجَّه إلينا، وسهامهم تنثال علينا، ورددت قول الشاعر:
لو كان سهماً واحداً لاتَّقَيْتُهُ
ولكنه سهم وثانٍ وثالث
فشمرت عن ساعد الجد لأميز الهزل من الجدّ والسمَّ من الشهد، .. ورحت أفحص رجال السند الذين روى عنهم الأصفهاني، وبحثت عنهم في كتب نقد الرجال، وقرأت ما جاء فيهم من أقوال، فوجدت فيهم كل داهية دهياء، وبلية سوداء عمياء من الكذابين والمجروحين والمطعون عليهم، فعزلت أولئك الكذابين وعرّفت بهم، ثم رحت أحصي روايات الأصفهاني عن كل واحد من هؤلاء، وهالني ما رأيت من الاعتماد على أولئك الكذابين والرواية عنهم، والاستقاء من دلائهم، والاستضاءة بنارهم ورأيت نفسي في وادٍ سحيق رهيب، ودخلت في كهف مظلم كئيب وإذا كان أولئك الرواة يكذبون في رواية الحديث النبوي الشريف، فكيف بهم في أخبار الناس وقد تورَّعوا إلى مذاهب وفرق وطوائف، تتجاذبهم الأهواء والمشارب والمنافع، وتتقاذف بهم المقاصد والأهداف؟ وإذا كان الأغناني كتاب أدب وسمر وغناء وليس كتاب علم وتاريخ وفقه، فليس معنى ذلك أن نسكت عمّا ورد فيه من الدس والكذب الفاضح والطعن والمعايب، وقد جمع فيه الأصفهاني كثير من أخبار السيرة والتفسير والفقه والأدب إلى أن قال .. واحتوى الفصل الثاني أخباراً وحكايات أوردها الأصفهاني عن آل البيت النبويِّ الشريف، وهي أخبار تسئ إليهم، وتجرح سيرتهم، وتشوِّه سلوكهم، وتوهِّن أمرهم بما يوافق هوى آل بويه الذين يزعمون الولاء لآل البيت كذباً وزوراً، وقد ناقشت تلك الأخبار وعلَّقت على كل حكاية بما يناسبها .. وجعلت الفصل الرابع للأخبار والحكايات المتفرقة التي طعن فيها الأصفهاني بالعقائد الإسلامية، ولعْن دين الإسلام وتفضيل الجاهلية على الإسلام، مع الكفر البواح والاستخفاف