فالجاهل إذا سَمِعَه ظنَّ ذلك مُنكَراً بِحُجَّة أنَّ الدِّين وسَط، فيرمي الْمُتدين بكل بَلِيَّة لأنه تاركٌ للوَسَطِ زائدٌ عليه بِزَعْمِهِ.

والكلام في هذا أنَّ هؤلاء يقولون ألفاظاً مُجْمَلة لاَ تدل على مقصودهم الذي هو الطعن على الْمُتدين والتشنيع عليه.

فَيُقَال: نَعَم، إنَّ الدِّينَ وسَط، وخير الأمور أوساطها، ولا ننازع في ذلك فنحن نقوله ونأمر به، ونعوذ بالله أن نُجادل عمَّن غَلاَ في الدين وتعدى الوسَط، لكن الشأن في هذا الوسَط ما هو؟!؛ هل هو ما يقتضيه العقل أوْ ما عليه أهل الزمان؟!.

فالدِّينُ الوَسَط وخير الأموُرِ هو ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، وهو فِعْل مَا أمرَ به واجْتِنَاب ما نَهَى عنه؛ فهذا هو الوسَط وهو الذي أُمِرْنَا بِهِ بِلاَ زيادةٍ ولا نُقْصَان.

أمَّا إذا زَعَمْتَ أنَّ الوَسَط هو مَا تَهْواه نفْسُك، وما تعوَّدْتَه أنتَ وأهلُ وقتك، فأنتَ مُشَرِّعٌ في الدِّين ما لَم يأذَن به الله!، كذلك فأنتَ قَادِحٌ بِمَا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومَن تَبِعَهم بإحسَانٍ حيثُ لَمْ يكُن دِينهم وَسَطًا - كمَا تزْعُم - وإِنَّما جِئْتَ أنتَ تُبين للناسِ الوَسَط!، فَهَذا مِن جِنْسِ الضَّلال بتجديدِ الدِّين والخطابِ الدِّيني - وقد تقدَّم بيانُ ذلك وللهِ الحمْد -.

وَلَمَّا قِيلَ لِوَاحِدٍ من هؤلاء الْمُفَرِّطِين - وكان يَقُصُّ لِحْيَتَه وَيَدَع منها شيئاً قليلاً -: " هذا لا يَحِلُّ لك " قال: " خير الأمور أوسَاطها "!،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015