وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا؛ [الإسراء: 72] من الكلام على هذا الوجه ما استوفيته (?)، وذكرت قول المتنبى:

ابعد بعدت بياضا لا بياض له … لأنت أسود فى عينى من الظّلم (?)

وأن الألوان لا يتعجب منها بلفظ «أفعل» الموضوع للمبالغة، وكذلك الخلق كلها؛ وإنما يقال: ما أشدّ سواده! وأن معنى البيت ما ذكره أبو الفتح عثمان بن جنّى من أنه أراد:

أنّك أسود من جملة الظّلم؛ كما يقال: حرّ من أحرارا، ولئيم من لئام؛ فيكون الكلام قد تمّ عند قوله: «لأنت أسود». ولو أراد المبالغة لما كان تامّا إلا عند صلة الكلام بقوله: «من الظّلم»؛ واستشهد ابن جنّى أيضا على صحة هذا التأويل بقول الشاعر:

وأبيض من ماء الحديد كأنّه … شهاب بدا واللّيل داج عساكره (?)

كأنه قال: وأبيض كامن من ماء الحديد.

وقلت أنا: قول الشاعر:

يا ليتنى مثلك فى البياض (?) … أبيض من أخت بنى إباض

يمكن حمله على ما حملناه عليه ببيت المتنبى؛ كأنه قال: أبيض من جملة أخت بنى إباض ومن عشيرتها وقومها، ولم يرد المبالغة والتفضيل؛ وهو أحسن من قول أبى العباس المبرّد لما أنشد هذا البيت وضاق ذرعا بتأويله على ما يطابق الأصول الصحيحة أنّ ذلك محمول على الشّذوذ والنّدران.

فإن قيل: كيف تكون نية المؤمن من جملة أعماله على هذا التأويل، والنية لا تسمى عملا فى العرف، وإنما تسمى بالأعمال أفعال الجوارح؛ ولهذا لا يقولون: عملت بقلبى، كما يقولون: عملت بيدى، ولا يصفون أفعال الله تعالى بأنها أعمال؟

قلنا: ليس يمتنع أن تسمى أفعال القلوب بأنها أعمال، وإن قل استعمال ذلك فيها، ألا ترى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015