والمعنى امتلأ حتى لو كان ممن يقول لقال ذلك، وهذا أولى فى نفسى من تفسيرهم هذا البيت بأنه ظهرت منه أمارات القول والنطق.
وهذا الّذي أشرنا إليه هو معنى كلّ ما جرى مجرى هذا البيت؛ من قول الشاعر (?):
وأجهشت للتّوباذ حين رأيته … وكبّر للرّحمن حين رآنى (?)
فقلت له: أين الذين عهدتهم … بجنبك فى خفض وطيب زمان!
فقال: مضوا، واستودعونى بلادهم … ومن ذا الّذي يبقى على الحدثان! (?)
ومن المحذوف أيضا قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ؛ [الزمر: 73]؛ ولم يأت لإذا جواب فى طول الكلام، وإنما حسن حذف الجواب الّذي هو: «فدخلوها» لورود ما يقوم مقامه؛ ويدل عليه من قوله تعالى: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ؛ [الزمر: 74] وذلك لا يكون إلا بعد الدخول؛ ومثل ذلك قول امرئ القيس:
فلو أنها نفس تموت سويّة … ولكنّها نفس تساقط أنفسا (?)
فحذف جواب، «لو» والجواب هو: «لكان ذلك أروح لها وأخفّ عليها»؛ ومثله قول الهذلىّ (?).
حتى إذا أسلكوهم فى قتائدة … شلّا كما تطرد الجمّالة الشّردا (?)
ومثل هذا كله فى الحذف: إنما أتمنى كذا لو أعطيته؛ وظاهر هذا الكلام كأنه مشروط وكأنه قال: إننى أتمناه إذا أعطيته؛ والأمر بالضّد من ذلك؛ والمعنى: لو أعطيته لبلغت مناى، ولنفعنى؛ وما أشبه ذلك المعنى.