وقد يجوز أيضا أن يحمل قوله تعالى: وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ على غير الكذب الحقيقىّ؛ بل يكون المراد والمعنى أنهم تمنوا ما لا سبيل إليه فكذب (?) أملهم وتمنّيهم؛ وهذا مشهور فى الكلام؛ لأنهم يقولون لمن تمنى ما لا يدرك: كذب أملك، وأكدى رجاؤك؛ وما جرى مجرى ذلك؛ قال الشاعر:

كذبتم وبيت الله لا تأخذونها … مراغمة ما دام للسّيف قائم

وقال آخر:

كذبتم وبيت الله لا تنكحونها … بنى شاب قرناها تصرّ وتحلب (?)

ولم يرد الكذب فى الأقوال؛ بل فى التمنى والأمل.

وليس لأحد أن يقول: كيف يجوز من أهل الآخرة مع معارفهم الضرورية، وأنهم عالمون بأنّ الرجوع إلى الدنيا لا سبيل إليه أن يتمنوه؛ وذلك أنه غير ممتنع أن يتمنى المتمنّى ما يعلم أنّه لا يحصل ولا يقع؛ ولهذا يتعلّق التمنى للشيء/ بألّا يكون ما قد كان. ولقوّة اختصاص التمنى بما يعلم أنه لا يكون غلط قوم فجعلوا إرادة ما علم المريد أنه لا يكون تمنيا؛ فهذا الّذي ذكرناه وجه فى تأويل الآية.

وفى الناس من يجعل بعض الكلام تمنّيا وبعضه إخبارا، وعلّق تكذيبهم بالخبر دون لَيْتَنا؛ فكان تقدير الآية: يا ليتنا نرد- وهذا هو التمنى- ثم قال من بعد: فإنّا لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فأخبروا بما علم الله تعالى أنهم فيه كاذبون؛ وإن لم يعلموا من أنفسهم مثل ذلك؛ فلهذا كذّبهم الله تعالى. وكل هذا واضح.

*** أخبرنا أبو عبيد الله المرزبانىّ قال حدثنى أحمد بن عبد الله، وعبد الله بن يحيى العسكريّان (?) قالا: حدثنا الحسن بن عليل العنزىّ قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله العبدىّ قال حدثنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015