وثالثها أن يراد بالفرقان الفرق بين الحلال والحرام، والفرق بين موسى وأصحابه المؤمنين وبين فرعون وأصحابه الكافرين؛ لأنّ الله تعالى قد فرق بينهم فى أمور كثيرة؛ منها أنه نجّى هؤلاء وأغرق أولئك.
ورابعها أن يكون الفرقان المراد به القرآن المنزّل على نبينا صلى الله عليه وآله؛ ويكون المعنى فى ذلك: وآتينا موسى التوراة والتصديق والإيمان بالفرقان الّذي هو القرآن؛ لأن موسى عليه السلام كان مؤمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وما جاء به، ومبشرا ببعثته. وساغ حذف القبول والإيمان والتصديق وما جرى مجراه وإقامة الفرقان مقامه؛ كما ساغ فى قوله تعالى:
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ؛ [يوسف: 82]، وهو يريد أهل القرية.
وخامسها أن يكون المراد الفرقان القرآن، ويكون تقدير الكلام: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ الّذي هو التوراة، وَآتينا محمدا الْفُرْقانَ، فحذف ما حذف مما يقتضيه الكلام؛ كما حذف الشاعر فى قوله:
تراه كأنّ الله يجدع أنفه … وعينيه إن مولاه كان له وفر (?)
أراد: ويفقأ عينيه؛ لأن الجدع لا يكون بالعين؛ واكتفى ب «يجدع» من «يفقأ».
وقال الشاعر:
تسمع للأحشاء منه لغطا … ولليدين جسأة وبددا
أى وترى لليدين؛ لأنّ الجسأة والبدد (?) لا يسمعان وإنما يريان.
وقال الآخر:
علفتها تبنا وماء باردا … حتّى شتت همّالة عيناها (?)
أراد وسقيتها ماء باردا، فدلّ علفت على سقيت.