مجلس آخر 76
إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ؛ [البقرة: 53]. فقال: كيف يكون ذلك، والفرقان هو القرآن، ولم يؤت موسى القرآن، وإنما اختصّ به محمد صلى الله عليه وآله؟
الجواب، قلنا: قد ذكر فى ذلك وجوه:
أولها أن يكون الفرقان بمعنى الكتاب المتقدم ذكره؛ وهو التوراة، فلا يكون هاهنا اسما للفرقان المنزل على محمد صلى الله عليه وآله، ويحسن نسقه على الكتاب لمخالفته للفظه؛ كما قال تعالى: الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ؛ [البقرة: 151]، وإن كانت الحكمة مما يتضمنها الكتاب، وكتب الله تعالى كلها فرقان، يفرق بين الحق والباطل، والحلال/ والحرام.
ويستشهد على هذا الوجه بقول طرفة:
فما لى أرانى وابن عمّى مالكا … متى أدن منه ينأ عنّى ويبعد (?)
فنسق «يبعد» على «ينأ» وهو بعينه، وحسّن ذلك اختلاف اللفظين. وقال عدى بن زيد:
وقدّمت الأديم لراهشيه … وألفى قولها كذبا ومينا (?)
والمين الكذب.
وثانيها أن يكون الكتاب عبارة عن التوراة، والفرقان انفراق البحر الّذي أوتيه موسى عليه السلام.