وعنى بقوله: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما [أى أن هذا النسل الصالح الّذي هم ذكر وأنثى جعلا له شركاء فيما آتاهما] (?) من نعمة؛ وأضافا تلك النعم إلى الذين اتخذوهم آلهة مع الله عزّ وجلّ من الأصنام والأوثان، ولم يعن بقوله: جَعَلا آدم وحواء عليها السلام؛ لأن آدم لا يجوز عليه الشرك بالله لأنه نبىّ من أنبيائه، ولو جاز الشرك والكفر على الأنبياء لما جاز أن يثق أحدنا بما يؤديه إليه الأنبياء عن الله عز وجل؛ لأن من جاز عليه الكفر جاز عليه الكذب ومن جاز عليه الكذب لم يؤخذ بأخباره؛ فصحّ بهذا أنّ الإضمار فى قوله: جَعَلا إنما يعنى به النسل.
وإنما ذكر ذلك على سبيل التثنية؛ لأنهم كانوا ذكرا وأنثى، فلما كانوا صنفين جاز أن يجعل إخباره عنهما كالإخبار عن الاثنين إذا كانا صنفين.
وقد دلّ على صحة تأويلنا هذا قوله تعالى فى آخر الآية: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، فبيّن عز وجل أنّ الذين جعلوا لله شركاءهم جماعة، فلهذا جعل إضمارهم إضمار الجماعة، فقال: يُشْرِكُونَ؛ مضى كلام أبى عليّ.
وقد قيل فى قوله تعالى: فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً مضافا إلى الوجه المتقدم- الّذي هو أنه أراد بالصلاح الاستواء فى الخلقة والاعتدال فى الأعضاء- وجه آخر؛ وهو أنّه لو أراد الصلاح فى الدين لكان الكلام أيضا مستقيما؛ لأن
الصالح فى الدين قد يجوز أن يكفر بعد صلاحه، / فيكون فى حال صالحا، وفى آخر مشركا؛ وهذا لا يتنافى.
وقد استشهد فى جواز الانتقال من خطاب إلى غيره، ومن كناية عن مذكور إلى مذكور سواه؛ ليصحّ ما قلناه من الانتقال من الكناية عن آدم وحوّاء إلى ولدهما بقوله تعالى:
إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فانصرف عن مخاطبة الرسول عليه السلام إلى مخاطبة المرسل إليهم، ثم قال: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ، يعنى الرسول عليه السلام، ثم قال: وَتُسَبِّحُوهُ، [الفتح: 9]؛ وهو يعنى مرسل الرسول؛ فالكلام