وقال الشاعر:
إنّ الفرزدق صخرة ملمومة … طالت- فليس تنالها- الأوعالا (?)
أراد: طالت الأوعال فليس تنالها.
ومثله:
طاف الخيال وأين منك لماما! … فارجع لزورك بالسّلام سلاما
أراد: طاف الخيال لماما وأين هو منك!
والوجه الثانى أن يكون وجه تأخير قوله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً أنه علّق بما هو متأخر فى الحقيقة، وواقع بعد ذبح البقرة، وهو قوله تعالى: / فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى؛ لأن الأمر بضرب المقتول ببعض البقرة إنما هو بعد الذبح؛ فكأنه تعالى قال: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ ولأنكم قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها أمرناكم أن تضربوه ببعضها، لينكشف أمره. فأما إخراج الخطاب مخرج ما يتوجّه إلى الجميع مع أن القاتل واحد فعلى عادة العرب فى خطاب الأبناء بخطاب الآباء والأجداد، وخطاب العشيرة بما يكون من أحدها؛ فيقول أحدهم: فعلت بنو تميم كذا، وقتل بنو فلان فلانا؛ وإن كان القاتل والفاعل واحدا من بين الجماعة؛ ومنه قراءة من قرأ: يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ [التوبة: 111]؛ بتقديم المفعولين على الفاعلين؛ وهو اختيار الكسائى وأبى العباس ثعلب؛ فيقتل بعضهم ويقتلون؛ وهو أبلغ فى وصفهم، وأمدح لهم، لأنهم إذا قاتلوا وقتلوا بعد أن قتل بعضهم كان ذلك أدلّ على شجاعتهم وقلة جزعهم وحسن صبرهم.
وقد قيل: إنه كان القاتلان اثنين، قتلا ابن عم لهما، وإن الخطاب جرى عليهما بلفظ الجمع؛ كما قال تعالى: وَكُنَّا
لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ
[الأنبياء: 79]؛ يريد داود وسليمان