مواضع التصرّف منها بهذه الصفة، والمنجّمون لا يدفعون أن يكون فى الأرض بسائط وسطوح يتصرّف عليها، ويستقرّ فيها؛ وإنما يذهبون إلى أن بجملتها شكل الكرة.
وليس له أن يقول: قوله: وجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً يقتضي الإشارة إلى جميع الأرض وجملتها؛ لا إلى مواضع منها، لأن ذلك تدفعه الضرورة من حيث أنا نعلم بالمشاهدة أنّ فيها ما ليس ببساط ولا فراش؛ ولا شبهة فى أن جعله السماء على ما هى عليه من الصّفة ممّا له تعلّق بمنافعنا ومصالحنا. وكذلك إنزاله تعالى منها الماء الّذي هو المطر الّذي تظهر به الثمرات فننتفع بنيلها والاغتذاء بها.
فأما قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً فإن الندّ هو المثل والعدل؛ قال حسان ابن ثابت:
أتهجوه ولست له بندّ … فشرّ كما لخيركما الفداء (?)
فأما قوله تعالى: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فيحتمل وجوها:
أولها أن يريد أنكم تعلمون أنّ الأنداد التى هى الأصنام وما جرى مجراها التى تعبدونها من دون الله تعالى لم ينعم عليكم بهذه النعم التى عدّدها ولا بأمثالها، وأنها لا تضرّ ولا تنفع، ولا تسمع ولا تبصر؛ ومعلوم أن المشركين
الذين كانوا يعبدون الأصنام ما كانوا يدّعون ولا تعتقدون أنّ الأصنام خلقت السماء والأرض من دون الله ولا معه تعالى؛ فالوصف لهم هاهنا بالعلم إنما هو لتأكيد الحجة عليهم. ويصح لزومها لهم؛ لأنهم مع العلم بما ذكرناه يكونون أضيق عذرا.
والوجه الثانى أن يكون المراد بقوله تعالى: وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أى تعقلون وتميزون، وتعلمون ما تقولون وتفعلون، وتأتون وتذرون، لأنّ من كان بهذه الصفة فقد استوفى شروط التكليف، ولزمته الحجة، وضاق عذره فى التخلّف عن النظر وإصابة الحق.
ونظير ذلك/ قوله تعالى: إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ؛ [الزمر: 9] وإِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ؛ [فاطر: 28].