النزول من السماء إلى الأرض/، وليس فى ظاهر القرآن ما يوجب ذلك؛ لأن الهبوط كما يكون النزول من علو إلى سفل فقد يراد به الحلول فى المكان والنزول به؛ قال الله تعالى: اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ؛ [البقرة: 61]، ويقول القائل من العرب: هبطنا بلد كذا وكذا، يريد حللنا، قال زهير:
ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت … أيدى المطىّ بهم من راكس فلقا (?)
فقد يجوز على هذا أن يريد تعالى بالهبوط [الخروج من المكان وحلول غيره؛ ويحتمل أيضا أن يريد بالهبوط] (?) معنى غير المسافة، بل الانحطاط من منزلة إلى دونها، كما يقولون: قد هبط فلان عن منزلته، ونزل عن مكانه؛ إذا كان على رتبة فانحطّ إلى دونها.
فإن قيل: فما معنى قوله: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ؟ قلنا: أما عداوة إبليس لآدم وذريته فمعروفة مشهورة، وأما عداوة آدم عليه السلام والمؤمنين من ذريته لإبليس فهى واجبة لما يجب على المؤمنين من معاداة الكفار؛ المارقين عن طاعة الله تعالى، المستحقين لمقته وعداوته، وعداوة الحية على الوجه الّذي تضمّن إدخالها فى الخطاب لبنى آدم معروفة؛ ولذلك يحذّرهم منها، ويجنبهم؛ فأما على الوجه الّذي يتضمّن أن الخطاب اختص آدم وحواء دون غيرهما؛ فيجب أن يحمل قوله تعالى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ على أن المراد به الذرية؛ كأنه قال تعالى: اهْبِطُوا وقد علمت من حال ذريتكم أن بعضكم يعادى بعضا؛ وعلّق الخطاب بهما للاختصاص بين الذرية وبين أصلها.
فإن قيل: أليس ظاهر قوله تعالى: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ يقتضي الأمر بالمعاداة، كما أنه أمر بالهبوط، وهذا يوجب أن يكون تعالى آمرا بالقبيح على وجه؛ لأن معاداة إبليس لآدم عليه السلام قبيحة، ومعاداة الكفار من ذريته للمؤمنين منهم كذلك؟
قلنا: ليس يقتضي الظاهر ما ظننتموه؛ وإنما يقتضي أنه أمرهما بالهبوط فى حال عداوة