وإنما كنّى تعالى عن إهباطه لهم بالقول؛ كما يقول أحدنا: قلت: فلقيت الأمير، وقلت: فضربت زيدا، وإنما يخبر عن الفعل دون القول؛ وهذا خلاف الظاهر وإن كان مستعملا.
وفى هذا الوجه بعد من وجه آخر؛ وهو أنه لم يتقدم للحية ذكر فى نصّ القرآن، والكناية عن غير مذكور لا تحسن إلا بحيث لا يقع لبس، ولا يسبق وهم إلى تعلق الكناية بغير مكنّى عنه؛ حتى يكون ذكره كترك ذكره فى البيان عن المعنى المقصود، مثل قوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ؛ [ص: 32]؛ وكُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ؛ [الرحمن: 27] وقول الشاعر:
أماوىّ ما يغنى الثّراء عن الفتى … إذا حشرجت يوما؛ وضاق بها الصّدر (?)
فأما بحيث لا يكون الحال على هذا فالكناية عن غير مذكور قبيحة.
ورابعها أن يكون الخطاب يختصّ آدم وحواء عليهما السلام، وخاطب الاثنين بالجمع على عادة العرب فى ذلك؛ لأن التثنية أول الجمع؛ قال الله تعالى: إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ؛ [الأنبياء: 78]، أراد لحكم داود وسليمان عليهما السلام؛ وكان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يتأول قوله تعالى: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ؛ [النساء: 11] على معنى فإن كان له أخوان؛ قال الراعى:
أخليد إنّ أباك ضاف وساده … همّان باتا جنبة ودخيلا (?)
طرقا فتلك هماهمى أقريهما … قلصا لواقح كالقسىّ وحولا
فعبّر بالهماهم وهى جمع عن الهمين؛ وهما اثنان.
فإن قيل: فما معنى الهبوط الّذي أمروا به؟ قلنا: أكثر المفسرين على أن الهبوط هو