جزانى الزّهدمان جزاء سوء … وكنت المرء يجزى بالكرامة (?)
/ أراد بالزّهدمين رجلين؛ يقال لأحدهما زهدم، وللآخر كردم، فغلّب.
وكلّ الّذي ذكرناه يقوّى هذا الجواب من جواز التسمية للجزاء على الذنب باسمه، أو تغليبه عليه، للمقاربة والاختصاص التام بين الذنب والجزاء عليه.
والجواب السادس ما روى عن ابن عباس قال: يفتح لهم وهم فى النار باب من الجنة، فيقبلون إليه مسرعين؛ حتى إذا انتهوا إليه سدّ عليهم، فيضحك المؤمنون منهم إذا رأوا الأبواب وقد أغلقت دونهم؛ ولذلك قال عز وجل: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ؛ [المطففين: 34 - 35].
فإن قيل: وأىّ فائدة فى هذا الفعل؟ وما وجه الحكمة فيه؟
قلنا: وجه الحكمة فيه ظاهر؛ لأن ذلك أغلظ فى نفوسهم، وأعظم فى مكروههم؛ وهو ضرب من العقاب الّذي يستحقونه بأفعالهم القبيحة؛ لأن من طمع فى النجاة والخلاص من المكروه، واشتد حرصه على ذلك؛ ثم حيل بينه وبين الفرج وردّ إلى المكروه يكون عذابه أصعب وأغلظ من عذاب من لا طريق للطمع عليه.
فإن قيل: فعلى هذا الجواب، ما الفعل الّذي هو الاستهزاء؟
قلنا: فى ترداده لهم من باب إلى آخر على سبيل التعذيب معنى الاستهزاء؛ من حيث كان إظهارا لما المراد بخلافه؛ وإن لم يكن فيه من معنى الاستهزاء ما يقتضي قبحه من اللهو والعبث وما جرى مجرى ذلك.
والجواب السابع أن يكون ما وقع منه تعالى ليس باستهزاء على الحقيقة؛ لكنّه سماه بذلك ليزدوج اللفظ ويخف على اللسان؛ وللعرب فى ذلك عادة معروفة فى كلامها؛ والشواهد عليه مذكورة مشهورة.