بأنّ الشمس تبكيه ما طلعت النجوم وظهر القمر (?). والوجه الثالث أن يكون القمر ونجوم الليل باكين الشمس على هذا المرثىّ المفقود، فبكتهن؛ أى غلبتهنّ بالبكاء؛ كما تقول: باكاني عبد الله فبكيته، وكاثرنى فكثرته، أى غلبته وفضلت عليه.
وثالثها أن يكون معنى الآية الأخبار عن أنه لا أحد أخذ بثأرهم ولا انتصر لهم، لأن العرب كانت لا تبكى على قتيل
إلا بعد الأخذ بثأره، وقتل من كان بواء به من عشيرة القاتل، فكنّى تعالى بهذا اللفظ عن فقد الانتصار، والأخذ بالثأر؛ على مذهب القوم الذين خوطبوا بالقرآن.
ورابعها أن يكون ذلك كناية عن أنه لم يكن لهم فى الأرض عمل صالح يرفع منها إلى السماء.
ويطابق هذا التأويل ما روى عن ابن عباس رحمة الله عليه/ فى قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ قيل له: أو تبكيان على أحد؟ فقال: نعم، مصلّاه فى الأرض، ومصعد عمله فى السماء. وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «ما من مؤمن إلّا وله باب يصعد منه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه»، ومعنى البكاء هاهنا الإخبار عن الاختلال بعده كما يقال: بكى منزل فلان بعده، قال ابن مقبل:
لعمر أبيك لقد شاقنى … مكان حزنت له أو حزن
وقال مزاحم العقيلىّ:
بكت دارهم من أجلهم وتهلّلت … دموعى فأىّ الجازعين ألوم (?)
أمستعبرا يبكى من الهون والبلى … وآخر يبكى شجوه ويئيم (?)