ويمكن فى الآية وجه آخر على أن يحمل النسيان على السّهو وفقد المعلوم؛ ويكون وجه الدعاء بذلك ما قد بيناه فيما تقدم من الأمالى؛ من أنه على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى، وإظهار الفقر إلى مسألته والاستعانة به؛ وان كان مأمونا منه المؤاخذة بمثله؛ ويجرى مجرى قوله تعالى فى تعليمنا وتأديبنا: لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ؛ [البقرة: 286]، ومجرى قوله تعالى:
قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ، [الأنبياء: 112]؛ وقوله وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ؛ [الشعراء: 87]؛ وقوله تعالى حاكيا عن الملائكة: فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ؛ [غافر: 7].
وهذا الوجه يمكن أيضا فى قوله تعالى: أَوْ أَخْطَأْنا إذا كان الخطأ ما وقع سهوا أو عن غير عمد.
فأما على ما يطابق الوجه الأول فقد يجوز أن يريد تعالى بالخطإ ما يفعل من المعاصى بالتأويل السيّئ وعن جهل بأنها معاص، لأن من قصد شيئا على اعتقاد أنه بصفة، فوقع ما هو بخلاف معتقده يقال: قد أخطأ، فكأنه أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه متعمدين من غير سهو ولا تأويل، ومما أقدموا عليه مخطئين متأولين.
ويمكن أيضا أن يريد ب أَخْطَأْنا هاهنا أذنبنا وفعلنا قبيحا؛ وإن كانوا له متعمدين وبه عالمين، لأن جميع معاصينا لله تعالى قد توصف بأنها خطأ من حيث فارقت الصواب؛ وإن كان فاعلها متعمدا؛ وكأنه تعالى أمرهم بأن يستغفروا مما تركوه من الواجبات؛ ومما فعلوه من المقبّحات، ليشتمل الكلام على جهتى الذنوب؛ والله أعلم بمراده.
*** أخبرنا أبو عبيد الله المرزبانىّ قال حدثنى محمد بن العباس قال: قال رجل يوما لأبى العباس