فى منزله وهو قريب الدار من مسجده، فيأتى مجلسه، فيحتبى ولا يتّكئ، ولا يزال منتصبا لا يتحرّك له عضو، ولا يلتفت، ولا تحلّ حبوته (?)، ولا يحوّل رجلا عن رجل، ولا يعتمد على أحد شقّيه، حتى كأنه بناء مبنىّ أو صخرة منصوبة؛ فلا يزال كذلك؛ حتى يقوم لصلاة الظهر، ثم يعود إلى مجلسه، فلا يزال كذلك/ حتى يقوم لصلاة العصر، ثم يرجع إلى مجلسه (?)، فلا يزال كذلك حتى يقوم لصلاة المغرب، ثم ربما عاد إلى مجلسه (?)، بل كثيرا ما يكون ذلك إذا بقى عليه من قراءة العهد والشروط والوثائق، ثم يصلى العشاء (?) وينصرف، لم يقم فى تلك الولاية مرة
واحدة إلى الوضوء، ولا احتاج إليه، ولا شرب ماء ولا غيره من الشراب، وكذلك كان شأنه فى طوال الأيام وفى قصارها، وفى صيفها وشتائها، وكان مع ذلك لا يحرّك يدا (?)، ولا يشير برأسه؛ وليس إلا أن يتكلم ثم يوجز؛ ويبلغ بالكلام اليسير المعانى الكثيرة.
فبينما هو ذات يوم كذلك، وأصحابه حوله (?) وفى السّماطين (?) بين يديه إذ سقط على أنفه ذباب، فأطال السكوت والمكث، ثم تحوّل إلى مؤق (?) عينه؛ فرام الصبر فى سقوطه على المؤق وعلى عضّته، ونفاذ خرطومه؛ كما رام الصبر على سقوطه على أنفه، من غير أن يحرّك أرنبته، أو يغضّن وجهه؛ أو يذبّ بإصبعه؛ فلما طال عليه ذلك من الذباب وأوجعه وأحرقه وقصد إلى مكان لا يحتمل التغافل عنه أطبق جفنه الأعلى على جفنه الأسفل فلم ينهض، فدعاه ذلك إلى أن والى بين الإطباق والفتح؛ فتنحى ريثما سكن جفنه.
ثم عاد إلى موقفه (?) ثانيا، أشد من مرته الأولى، فغمس خرطومه فى مكان قد كان أوهاه قبل ذلك، فكان احتماله له أضعف، وعجزه عن الصبر فى الثانية أقوى، فحرّك أجفانه، وزاد