وإنما أراد البحترىّ بقوله: «ذنب كما سحب الرداء» المبالغة فى وصفه بالطول والسبوغ وأنه قد قارب أن ينسحب، وكاد يمسّ الأرض. ومن شأن العرب أن تجرى على الشيء الوصف الّذي قد كان قد يستحقه، وقرب منه القرب الشديد فيقولون: قد قتل فلانا هوى فلانة، ودلّه (?) عقله؛ وأزال تمييزه وأخرج نفسه، وكل ذلك لم يقع وإنما أرادوا المبالغة وإفادة المقاربة والمشارفة؛ ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى.
ومن شأنهم أيضا إذا أرادوا المبالغة التامة أن يستعملوا مثل هذا؛ فيشبهون الكفل بالكثيب وبالدّعص وبالتلّ، ويشبهون الخصر بوسط الزنبور، وبمدار (?) حلقة الخاتم، ويعدّون هذا غاية المدح وأحسن الوصف، ونحن نعلم أنا لو رأينا من خصره مقدار وسط الزنبور، وكفله كالكثيب العظيم لاستبعدناه واستهجنا صورته لنكارتها وقبحها، وإنما أتوا بألفاظ المبالغة صنعة وتأنقا، لا لتحمل على ظواهرها تحديدا وتحقيقا؛ بل ليفهم منها الغاية المحمودة، والنهاية المستحسنة، ويترك ما وراء ذلك، فإنا نفهم من قولهم: خصرها كخصر الزنبور أنه فى نهاية الدقة المستحسنة فى البشر، ومن قولهم/: كفلها كالكثيب أى أنه فى نهاية الوثارة المحمودة المطلوبة، لا أنه كالتل على التحقيق؛ فهكذا لا ننكر أن يريد البحترى بقوله:
«كما سحب الرداء» أنه فى غاية الطول الممدوح، لا أنه ينجرّ على الأرض الحقيقة، ووكلنا فى تخليص معناه وتفصيله إلى العادة الجارية لنظرائه من الشعراء فى استعمال مثل اللفظ الّذي استعمله؛ وقد قال بعضهم فى ثقل العجيزة:
تمشى فتثقلها روادفها … فكأنها تمشى إلى خلف
وقال المؤمل:
من رأى مثل حبّتى … تشبه البدر إذ بدا
تدخل اليوم ثمّ تد … خل أردافها غدا
وقال ذو الرمة:
ورمل كأوراك العذارى قطعته … وفد جلّلته المظلمات الحنادس