أحدهما أنّ من كان يهوديا أو نصرانيا ممن خلقته لعبادتى ودينى؛ فإنما جعله كذلك أبواه، ومن جرى مجراهما ممن أوقع له الشبهة وقلده الضلال عن الدين.
وإنما خص الأبوين لأن الأولاد فى الأكثر ينشئون على مذاهب آبائهم، ويألفون أديانهم وتحلهم؛ ويكون الغرض بالكلام تنزيه الله تعالى عن ضلال العباد وكفرهم، وأنه إنما خلقهم للإيمان فصدهم عنه آباؤهم، أى ومن جرى مجراهم.
والوجه الآخر أن يكون معنى: «يهوّدانه وينصّرانه» أى يلحقانه بأحكامهما، لأنّ أطفال أهل الذمة قد ألحق الشرع أحكامهم بأحكامهم؛ فكأنه عليه السلام قال: لا تتوهموا من حيث لحقت أحكام اليهود والنصارى أطفالهم، أنهم خلقوا لدينهم، بل لم يخلقوا إلا للإيمان والدين الصحيح؛ لكنّ آباءهم هم الذين أدخلوهم فى أحكامهم. وعبّر عن إدخالهم فى أحكامهم بقولهم: «يهوّدانه وينصّرانه»؛ وهذا واضح.
فأما جواب أبى عبيد الّذي حكاه عن محمد بن الحسن فإنا إذا تمكنا من حمل الخبر على وجه نسلم معه من النسخ لم نحتج إلى غيره؛ وإنما توهّم النسخ لاعتقاده أن خلقهم على الفطرة يمنع من إلحاقهم بحكم آبائهم؛ وذلك غير ممتنع.
وأما الجواب الّذي حكاه عن ابن المبارك ففاسد، لأن الله تعالى لا يجوز أن يخلق أحدا للكفر؛ وكيف يخلقه للكفر وهو يأمره بالإيمان ويريده منه، ويعاقبه ويذمه على خلافه!
فأما ما روى عنه/ عليه السلام- وقد سئل عن أطفال المشركين فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» - فإنه يحتمل أن يكون عليه السلام سئل عمّن لم يبلغ من أطفال المشركين:
كيف تكون صورته؟ وإلى أىّ شيء تنتهى عاقبته؟ فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»، وأراد أن ذلك مستور عنّى؛ ولو كانت المسألة عمّن اخترم طفلا لم يجز أن يكون الجواب ذلك.