وقال عنترة:
شربت بماء الدّحرضين فأصبحت … زوراء تنفر عن حياض الدّيلم (?)
معناه: شربت الناقة من ماء الدّحرضين؛ وهما ماءان؛ يقال لأحدهما: وسيع والآخر دحرض، فغلب الأشهر؛ وهو الدّحرض. وإنما ساغ أن يريد بالفطرة- التى هى الخلقة فى اللغة- الدّين من حيث كان هو المقصود بها، وقد يجرى على الشيء اسم ماله به هذا الضرب من التعلّق والاختصاص؛ وعلى هذا يتأول قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها؛ [الروم: 30] أراد دين الله الّذي خلق الخلق له.
وقوله تعالى: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ؛ [الروم: 30] المراد به أن ما خلق العباد له من العبادة والطاعة ليس مما يتغير ويختلف، حتى يخلق قوما للطاعة، وآخرين للمعصية.
ويجوز أن يريد بذلك الأمر، وإن كان ظاهره الخبر، فكأنه تعالى قال: ولا تبدّلوا ما خلقكم الله له من الدّين والطاعة بأن تعصوا وتخالفوا.
والوجه الآخر فى تأويل الفطرة أن يكون المراد بها الخلقة، وتكون لفظة «على» على ظاهرها/ لم يرد (?) به غيرها، ويكون المعنى: كل مولود يولد على الخلقة الدالة على وحدانية الله تعالى وعبادته والإيمان به، لأنه عز وجل قد صوّر الخلق وخلقهم على وجه يقتضي النظر فيه معرفته والإيمان به؛ وإن لم ينظروا ولم يعرفوا، فكأنه عليه السلام قال: كل مخلوق ومولود فهو يدلّ بخلقه وصورته على عبادة الله تعالى؛ وإن عدل بعضهم فصار يهوديا أو نصاريا.
وهذا الوجه يحتم له أيضا قوله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها.
وإذا ثبت ما ذكرناه فى معنى الفطرة فقوله: «حتى يكون أبواه يهوّدانه وينصرانه» يحتمل وجهين: