اعلم أن المنافع التى عرّض الله تبارك وتعالى الأحياء لها ثلاث: منفعة تفضّل، ومنفعة عوض، ومنفعة ثواب، فأمّا المنفعة على سبيل التفضّل فهى الواقعة ابتداء من غير سبب استحقاق، ، ولفاعلها أن يفعلها، وله ألّا يفعلها، وأما منفعة العوض فهى المنفعة المستحقة من غير مقارنة شيء من التعظيم والتبجيل لها، وأمّا منفعة الثواب فهى المستحقة على وجه التعظيم والتبجيل فمنفعة العوض تبين من التفضل بالاستحقاق، والثواب يبين من العوض بالتعظيم والتبجيل، المصاحبين له؛ فكأنّ التفضل أصل لسائر المنافع من حيث يجب تقدمه وتأخر ما عداه؛ لأنه لا سبيل للمنتفع أن ينتفع بشيء دون أن يكون حيّا له شهوة (?)، والابتداء بخلق الحياة والشهوة تفضّل، فقد صحّ (?) أنه لا سبيل إلى النفع بمنفعة العوض والثواب إلا بعد تقدّم التفضّل. فأمّا المنفعة بالثواب فهى الأصل للمنفعة بالعوض؛ لأنّ الآلام وما جرى مجرى الآلام (?) مما يستحقّ به العوض متى لم يكن فيها اعتبار يفضى إلى الثواب، ويستحق به لم يحسن فعلها، وجرى عندنا مجرى العبث، ولهذا نقول: إن الله تعالى لو لم يكلّف أحدا من المكلّفين ما كان يحسن منه أن يبتدئ بالآلام (?)، وإن عوّض عليها.
والأحياء على ضروب فمنهم من عرّض للمنافع الثلاث. ومنهم من عرّض لاثنتين، ومنهم من عرّض لواحدة، والمكلّف المعرّض للثواب لا بدّ أن يكون منفوعا بالتفضّل من الوجه الّذي قلنا؛ لأنه إذا خلق حيّا وفعل له القدرة والشهوة والعقل وضروب التمكين، فقد نفع بالتفضّل، وليس يجب فيمن هذه حاله أن يكون منفوعا بالعوض؛ لأنّه لا يمتنع أن يخلو المكلّف منّا من ألم يحدثه (?) الله به؛ فلا يكون معرّضا للعوض؛ فمتى عرّض له فقد تكاملت فيه المنافع؛ فصار/ المكلّف مقطوعا على تعريضه لاثنتين من المنافع؛ ومجوّزا تكامل الثلاث له؛ فأما من ليس بمكلّف فمقطوع فيه على إحدى المنافع، وهى التفضّل من حيث