روى عن النبىّ صلى الله عليه وآله أنه قال: «لا تسبّوا الدّهر، فإنّ الدّهر (?) هو الله».
وقد ذكر قوم فى تأويل هذا الخبر أنّ المراد به لا تسبّوا الدهر، فإنه لا فعل له، وإنّ الله مصرّفه ومدبّره، فحذف من الكلام ذكر المصرّف والمدبّر وقال: «هو الدهر».
وفى هذا الخبر وجه هو أحسن من ذلك الّذي حكيناه، وهو أنّ الملحدين، ومن نفى الصانع من العرب كانوا ينسبون ما ينزل بهم من أفعال الله تعالى كالمرض والعافية، والجدب والخصب، والبقاء والفناء إلى الدّهر، جهلا منهم بالصّانع جلّت عظمته، ويذمّون الدهر ويسبّونه فى كثير من الأحوال، من حيث اعتقدوا أنه الفاعل بهم/ هذه الأفعال، فنهاهم النبىّ صلى الله عليه وآله عن ذلك وقال لهم: لا تسبّوا من فعل بكم هذه الأفعال ممّن تعتقدون أنه هو الدّهر، فإن الله تعالى هو الفاعل لها. وإنما قال: إنّ الله هو الدهر من حيث نسبوا إلى الدّهر أفعال الله؛ وقد حكى الله تعالى عنهم قولهم: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجائية: 24]. وقال لبيد:
فى قروم سادة من قومه … نظر الدّهر إليهم فابتهل (?)
أى دعا عليهم. وقال عمرو بن قمئة (?):
كأنّى وقد جاوزت تسعين (?) حجّة … خلعت بها عنّى عذار لجامى (?)
على الرّاحتين مرّة وعلى العصا … أنوء ثلاثا (?) بعدهنّ قيامى
رمتنى بنات الدّهر (?) من حيث لا أرى … فكيف بمن يرمى وليس برامى