فقالوا أتتخذنا هزوا، فاضمر تعالى الفاء؛ لتمام كلام موسى عليه السلام، ومنه قول الشاعر:
لمّا رأيت نبطا أنصارا … شمّرت عن ركبتى الإزارا (?)
كنت لها من النّصارى جارا
أراد: «وكنت»، فأضمر الواو.
وثالثها أن يكون القول خرج مخرج الدعاء؛ إلا أن معناه التعليم من الله تعالى لنا والتأديب؛ فكأنه جلّت عظمته وقفنا على الدعاء عليهم، وعلّمنا/ ما ينبغى أن نقول فيهم، كما علّمنا الاستثناء فى غير هذا الموضع بقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [الفتح: 27]، وكل ذلك جلىّ واضح، والمنة لله.
إن سأل سائل عن الخبر الّذي روى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «لعن الله السّارق؛ يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده».
الجواب، قلنا: قد تعلق بهذا الخبر صنفان من الناس؛ فالخوارج تتعلّق به، وتدّعى أنّ القطع يجب فى القليل والكثير؛ وتستشهد على ذلك بظاهر قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [المائدة: 38]، ويتعلق بهذا الخبر أيضا الملحدة والشّكاك، ويدّعون أنه مناقض للرواية المتضمّنة أنه لا قطع إلّا فى ربع دينار. ونحن نذكر ما فيه:
فأول ما نقوله إنّ الخبر مطعون عند أصحاب الحديث على سنده، وقد حكى ابن قتيبة فى تأويله وجها عن يحيى بن أكثم، طعن عليه وضعّفه، وذكر عن نفسه وجها آخر؛ نحن نذكرهما وما فيهما، ونتبعهما بما نختاره.