السن ثغرة وفى كل موضع منفرج؛ ومنه ثغرة النّحر.
وأراد بقوله:
* نال رأسى من ثغرة الهم لمّا*
أى وجد الشيب من الهم فرجة دخل على رأسى منها؛ لأن الهمّ يشيب لا محالة.
وقوله:
* ما لم ينله من ثغرة الميلاد*
أراد بثغرة الميلاد الوقت الّذي يهجم عليه فيه الشّيب من عمره؛ لأنه يجد السبيل فى ذلك الوقت إلى الحلول برأسه؛ فجعله ثغرة من هذا الوجه؛ فأراد أن الشيب حلّ برأسه من جهة همومه وأحزانه لمّا لم يبلغ السن التى توجب حلوله به من حيث كبره.
ورأيت الآمدىّ يطعن على قوله:
* عمرت مجلسى من العوّاد*
ويقول: لا حقيقة لذلك ولا معنى، لأنا ما رأينا ولا سمعنا أحدا/ جاءه عواد يعودونه من المشيب؛ ولا أن أحدا أمرضه الشّيب، ولا عزّاه المعزون عن الشباب؛ وهذا من الآمدىّ قلة نقد للشّعر وضعف بصيرة بدقيق معانيه التى يغوص عليها حذاق الشعراء؛ ولم يرد أبو تمام بقوله:
* عمرت مجلسى من العوّاد*
العيادة الحقيقية التى يغشى فيها العوّاد مجالس المرضى وذوى الأوجاع، وإنما هذه استعارة وتشبيه وإشارة إلى الغرض خفيّة؛ فكأنه أراد أنّ شخص الشيب لما زارني كثر المتوجعون لى، والمتأسفون على شبابى، والمتوحشون (?) من مفارقته؛ فكأنهم فى مجلسى عوّاد لى، لأن من شأن العائد للمريض أن يتوجّع ويتفجع.