وقد ذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنبارىّ وجها ثالثا فى الخبر، قال: أراد عليه السلام:
[من لم يتلذّذ بالقرآن، ويستحله، ويستعذب] (?) تلاوته كاستحلاء أصحاب الطّرب للغناء والتذاذهم به. وسمّى ذلك تغنّيا من حيث يفعل عنده ما يفعل عند التغنّى بالغناء، وذكر أنّ ذلك نظير قولهم: العمائم تيجان العرب، والحباء (?) حيطان العرب، والشمس حمّامات العرب (?)؛ وأنشد بيت النابغة:
بكاء حمامة تدعو هديلا … مفجّعة على فنن تغنّى (?)
فشبّه صوتها لمّا أطرب إطراب الغناء بالغناء، وجعلوا العمائم لمّا قامت مقام التّيجان تيجانا؛ وكذلك القول فى الحباء والشمس.
وجواب أبى عبيد أحسن الأجوبة وأسلمها، وجواب أبى بكر أبعدها؛ لأن التلذّذ لا يكون إلا فى المشتهيات، وكذلك الاستحلاء والاستعذاب. وتلاوة القرآن وتفهّم معانيه من الأفعال الشاقة، فكيف يكون ملذّا مشتهى (?)؟ ! فإن عاد إلى أن يقول: قد تستحلى التّلاوة من الصوت الحزين (?)، قلنا: هذا رجوع إلى الجواب الثانى الّذي رغبت عنه، وانفردت عند نفسك بما يخالفه.
ويمكن أن يكون فى الخبر وجه رابع خطر لنا، وهو أن يكون قوله عليه السلام:
/ «من لم يتغنّ» من غنى الرجل بالمكان إذا طال مقامه به، ومنه قيل: المغنى والمغانى، قال الله تعالى: كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا [الأعراف: 92]، أى لم يقيموا بها، وقال