وثالثها أن السّحر فى لغة العرب الرّئة وما تعلق بها، فيها ثلاث لغات: سحر وسحر وسحر، وقيل السّحر ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى الجوف؛ وقيل إنه الكبد؛ فكأنّ المعنى على هذا: إن تتبعون إلا رجلا ذا سحر؛ خلقه الله بشرا كخلقكم.
ورابعها أن يكون معنى مسحور أى ساحر، وقد جاء لفظ مفعول بمعنى فاعل؛ قال الله تعالى: وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ/ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً؛ [الإسراء: 45]، أى ساترا، والعرب تقول للمعسر: ملفج، ومعناه ملفج؛ لأن ماضيه ألفج (?)، فجاءوا بلفظ المفعول وهو الفاعل؛ ومن ذلك قولهم: فلان مشئوم على فلان وميمون؛ وهم يريدون شائم له ويأمن؛ لأنه من شأمهم (?) ويمنهم.
ورأيت بعض العلماء يطعن على هذا الاستشهاد الأخير فيقول: العرب لا تعرف «فلان مشئوم على فلان»؛ وإنما هذا من كلام أهل الأمصار؛ وإنما تسمى العرب من لحقه الشؤم مشئوما؛ قال علقمة بن عبدة:
ومن تعرّض للغربان يزجرها … على سلامته لا بدّ مشئوم (?)
والوجوه الثلاثة الأول أوضح وأشبه.
ومما يختار لمروان بن أبى حفصة قوله من قصيدة يمدح بها معن بن زائدة الشيبانىّ، أولها:
أرى القلب أمسى بالأوانس مولعا … وإن كان من عهد الصّبا قد تمتّعا (?)
يقول فيها:
ولمّا سرى الهمّ الغريب قريته … قرى من أزال الشكّ عنه وأزمعا