من تخصيص الآية؛ فإذا جاز لهم ذلك بالشّبهة جاز لنا مثله بالحجة؛ وتجرى هذه الآية مجرى قوله تعالى: إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا؛ [المزمل: 19]، وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، [الإنسان: 30]، وقوله تعالى: وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، [المدثر: 56]، فى تعلّق الكلام بما قبله.
فإن قالوا: فالآية تدل على مذهبنا وبطلان مذهبكم (?) من وجه آخر؛ وهو أنه عز وجل قال: وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ؛ وذلك يقتضي أنه يشاء الاستقامة فى حال مشيئتنا لها؛ لأن «أن» الخفيفة إذا دخلت على الفعل المضارع اقتضت الاستقبال؛ وهذا يوجب أنه يشاء أفعال العباد فى كل حال، ويبطل ما تذهبون إليه من أنه إنما يريد
الطاعات فى حال الأمر.
قلنا: ليس فى ظاهر الآية ألّا نشاء إلّا ما شاءه الله تعالى فى حال مشيئتنا كما ظننتم؛ وإنما يقتضي حصول مشيئته لما نشاؤه من الاستقامة من غير ذكر لتقدم ولا تأخر؛ ويجرى ذلك مجرى قول القائل: ما يدخل زيد هذه الدار إلا أن يدخلها عمرو؛ ونحن نعلم أنه غير واجب بهذا الكلام أن يكون دخولهما فى حال واحدة؛ بل لا يمتنع أن يتقدّم دخول عمرو، ويتلوه دخول زيد، و «أن» الخفيفة وإن كانت للاستقبال على ما ذكروه، فلم يبطل على تأويلنا معنى الاستقبال فيها؛ لأن تقدير الكلام: وما تشاءون الطاعات إلا بعد أن يشاء الله تعالى، ومشيئته تعالى قد كانت لها حال الاستقبال (?).
وقد ذهب أبو عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبائىّ إلى أنه لا يمتنع أن يريد تعالى الطاعات حالا بعد حال؛ وإن كان قد أرادها فى حال الأمر؛ كما يصحّ أن يأمر بها أمرا بعد أمر؛ قال: / لأنه قد يصحّ أن يتعلّق بإرادته ذلك منا بعد الأمر وفى حال الفعل مصلحة؛ ويعلم تعالى أنّا نكون متى علمنا ذلك كنا إلى فعل الطاعات أقرب، وعلى هذا المذهب لا يعترض بما ذكروه.