ويمكن أن يكون فى الآية تأويل آخر استخرجناه؛ إن لم يزد على الوجهين الأوّلين لم ينقص عنهما؛ والوجه فى تكلّفنا له ما بيّناه من الاستظهار فى الحجّة، وأنّ التناقض الّذي توهّم زائل على كل وجه (?)؛ وهو أنّ العصا لمّا انقلبت حيّة صارت أولا بصفة الجانّ وعلى صورته؛ ثم صارت بصفة الثّعبان؛ على تدريج؛ ولم تصر كذلك ضربة واحدة؛ فتتّفق الآيتان على هذا التأويل، ولا يختلف حكمهما، وتكون الآية الأولى التى تتضمن ذكر الثعبان إخبارا عن غاية حال العصا، وتكون الآية الثانية تتضمّن ذكر الحال التى ولى موسى فيها هاربا؛ وهى حال انقلاب العصا إلى خلقة الجان؛ وإن كانت بعد ذلك الحال انتهت إلى صورة الثعبان.
فإن قيل على هذا الوجه: كيف يصح ما ذكرتموه مع قوله تعالى: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ؛ وهذا يقتضي أنها صارت ثعبانا بعد الإلقاء بلا فصل؟ قلنا: تفيد (?) الآية ما ظنّ؛ وإنما فائدة قوله تعالى: فَإِذا هِيَ الإخبار عن قرب الحال التى صارت فيها بتلك الصّفة؛ وأنّه لم يطل الزّمان فى مصيرها كذلك، ويجرى هذا مجرى قوله تعالى/: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [يس: 77]؛ مع تباعد ما بين كونه نطفة وكونه خصيما مبينا، وقولهم: ركب فلان من منزله فإذا هو فى ضيعته، وسقط من أعلى الحائط فإذا هو فى الأرض؛ ونحن نعلم أنّ بين خروجه من منزله وبلوغه ضيعته زمانا، وأنّه لم يصل إليها إلا على تدريج؛ وكذلك الهابط من الحائط؛ وإنما فائدة الكلام الإخبار عن تقارب الزّمان؛ وأنه لم يطل ولم يمتدّ.