وتارة إلى صفة الثعبان؛ أو على سبيل الاستظهار فى الحجة، وأن الحال لو كانت واحدة على ما ظنّ لم يكن بين الآيتين تناقض؛ وهذا الوجه أحسن ما تكلّفوا الجواب لأجله؛ لأن الأولين لا يكونان إلا عن غلط أو غفلة، وذكروا وجهين تزول بكل واحد منهما الشبهة فى تأويلها:
أحدهما أنه تعالى إنما شبّهها بالثعبان فى إحدى الآيتين لعظم خلقها، وكبر جسمها، وهول منظرها؛ وشبّهها فى الآية الأخرى بالجانّ لسرعة حركتها ونشاطها وخفّتها؛ فاجتمع لها مع أنها فى جسم الثعبان وكبر خلقه نشاط الجان، وسرعة حركته؛ وهذا أبهر فى باب الإعجاز، وأبلغ فى خرق العادة؛ ولا (?) تناقض معه بين الآيتين؛ وليس يجب إذا شبّهها بالثعبان أن يكون لها جميع صفات الثعبان، ولا إذا شبّهها بالجان أن يكون لها جميع صفاته، وقد قال الله تعالى: وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا. قوارير من فضّة [الدهر: 15، 16]. ولم يرد تعالى أنّ الفضّة قوارير على الحقيقة؛ وإنما وصفها بذلك لأنه اجتمع لها صفاء القوارير وشفوفها ورقّتها؛ مع أنها من
فضة؛ وقد تشبّه العرب الشيء بغيره فى بعض وجوهه؛ فيشبّهون المرأة بالظّبية والبقرة (?) ونحن نعلم أن فى الظباء والبقر من الصّفات ما لا يستحسن أن يكون فى النساء، وإنما وقع التشبيه فى صفة دون صفة، ومن وجه دون وجه (?).
والجواب الثانى أنه تعالى لم يرد بذكر الجانّ فى الآية الأخرى الحيّة؛ وإنما أراد أحد الجنّ؛ فكأنه تعالى خبّر (?) بأن العصا صارت ثعبانا فى الخلقة وعظم الجسم؛ وكانت مع ذلك كأحد الجن فى هول المنظر وإفزاعها لمن شاهدها؛ ولهذا قال تعالى: فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ.