إن سؤالك إياى ما ليس لك به علم عمل غير صالح لأنه قد وقع من نوح دليل (?) السؤال والرغبة فى قوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ/ ومعنى ذلك أى نجّه كما نجيتهم، ومن يجيب بهذا الجواب يقول: إن ذلك صغيرة من النبي؛ لأن الصغائر تجوز عليهم، ومن يمنع أن يقع (?) من الأنبياء شيء من القبائح يدفع هذا الجواب؛ ولا يجعل الهاء راجعة إلى السؤال بل إلى الابن، ويكون تقدير الكلام ما تقدم.
فإذا قيل له: فلم قال: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؟ وكيف قال نوح عليه السلام من بعد: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما
لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ
؟ .
قال: لا يمتنع أن يكون نهى عن سؤال ما ليس له به علم؛ وإن لم يقع منه وأن يكون تعوّد من ذلك وإن لم يوافقه؛ ألا ترى أن الله قد نهى نبيه عن الشّرك والكفر؛ وإن لم يكن ذلك قد وقع منه؛ فقال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ؛ [الزمر: 56]، وكذلك لا يمتنع أن يكون نهاه فى هذا الموضع عمّا لم يقع منه، ويكون عليه السلام إنما سأله نجاة ابنه باشتراط المصلحة لا على سبيل القطع؛ وهكذا يجب فى مثل هذا الدعاء.
فأما القراءة بنصب اللام فقد ضعّفها قوم وقالوا: كان يجب أن يقال: إنه عمل عملا غير صالح؛ لأن العرب لا تكاد تقول هو يعمل غير حسن، حتى يقولوا: عملا غير حسن، وليس وجهها بضعيف فى العربية؛ لأنّ من مذهبهم الظاهر إقامة الصفة مقام الموصوف عند انكشاف المعنى وزوال اللبس؛ فيقول القائل: قد فعلت صوابا، وقلت حسنا، بمعنى فعلت فعلا صوابا وقلت قولا حسنا؛ وقال عمر بن أبى ربيعة المخزومىّ:
أيّها القائل غير الصواب … أخّر النّصح وأقلل عتابى (?)