عن الهمّ بالزّنا، والعزم عليه. وحكايته عن النسوة قولهن: حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ؛ [يوسف: 51]، تدل أيضا على براءته من القبيح.
فأما البرهان الّذي رآه فيحتمل أن يكون لطفا لطف الله له به فى تلك الحال أو قبلها، اختار عنده الانصراف عن المعاصى، والتنزه عنها.
ويحتمل أيضا/ ما ذكره أبو عليّ، وهو أن يكون البرهان دلالة الله تعالى له على تحريم ذلك عليه، وعلى أنّ من فعله يستحق العقاب. وليس يجوز أن يكون البرهان ما ظنّه الجهّال من رؤية صورة أبيه يعقوب عليه السلام
متوعّدا له، أو النداء له بالزجر والتخويف، لأنّ ذلك ينافى المحنة، وينقض الغرض بالتكليف، ويقتضي ألّا يستحق على امتناعه وانزجاره مدحا ولا ثوابا؛ وهذا سوء ثناء على الأنبياء، وإقدام على قرفهم بما لم يكن منهم، ونحمد الله على حسن التوفيق.
روى أحمد بن عبد الله بن العباس الصولىّ الملقب بطماس قال: كنت يوما عند عمّى إبراهيم بن العباس (?)، فدخل عليه رجل فرفعه حتى جلس إلى جانبه، أو قريبا من ذلك، ثم حادثه إلى أن قال عمى: يا أبا تمام؛ ومن بقى ممن يعتصم به ويلجأ إليه؟ قال: أنت لا عدمت- وكان إبراهيم طويلا- أنت والله كما قيل:
يمدّ نجاد السّيف حتّى كأنّه … بأعلى سنامى فالج يتطوّح
ويدلج فى حاجات من هو نائم … ويورى كريمات النّدى حين يقدح
إذا اعتمّ بالبرد اليمانىّ خلته … هلالا بدا فى جانب الأفق يلمح
يزيد على فضل الرّجال فضيلة … ويقصر عنه مدح من يتمدّح