مسألة [فى الاستدلال على نفى الرؤية بالأبصار]

قال الشّريف المرتضى رضى الله عنه: اعلم أن أصحابنا لمّا استدلّوا على نفى الرؤية بالأبصار عن الله تعالى بقوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 103]، وبينوا أنه تعالى تمدّح بنفى الإدراك (?) الّذي هو رؤية البصر عن نفسه على وجه يرجع إلى ذاته؛ فيجب أن يكون فى ثبوت الرؤية له فى وقت من الأوقات نقص وذمّ. قال لهم مخالفوهم: كيف يتمدّح بأنه لا يرى، وقد يشاركه فى نفى الرؤية ما ليس بممدوح؛ كالمعدومات والإرادات والاعتقادات؟ فقالوا لهم: لم يتمدّح تعالى بنفى الرؤية فقط، وإنما تمدّح بنفى الرؤية عنه وإثباتها له، فتمدّحه بمجموع (?) الأمرين؛ وليس يشاركه فى هاتين الصفتين مشارك؛ لأن الموجودات المحدثات على ضروب؛ منها ما لا يرى ولا يرى كالإرادات والاعتقادات، ومنها ما يرى ولا يرى كالألوان، ومنها ما يرى ويرى كالإنسان وضروب الأحياء؛ وليس فيها ما يرى ولا يرى؛ فثبتت المدحة لله تعالى بمتضمّن الآية.

فقال لهم المخالفون: وكيف/ يجوز أن تكون صفة لا تقتضى المدحة بانفرادها، ثم تصير تقتضيها مع غيرها! ولئن جاز هذا ليجوزنّ أن يتمدّح متمدح بأنه شيء عالم، أو موجود قادر؛ فإذا كان لا مدحة فى وصف الذات بأنها شيء وموجودة (?)، وإن انضمّت إلى صفة مدح من حيث كانت بانفرادها لا تقتضى مدحا، فكذلك لا مدحة فى نفى الرؤية عمّن ثبتت (?) له، من حيث كانت بانفرادها لا تقتضى مدحا.

فأجاب أصحابنا عن هذا الكلام بأن قالوا: ليس يمتنع فى الصّفة أن تكون لا تقتضى مدحا إذا انفردت، وتقتضيه إذا انضمت إلى غيرها، ومثّلوا ذلك بقوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة: 255]. وإنّ نفى السّنة والنّوم هاهنا إنما

يكون مدحا إذا انتفى عمّن هو بصفة الأحياء، وإن كان بانفراده لا يقتضي مدحا لمشاركة ذوات كثيرة غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015