والآثار واردة بإطباق مفسّرى القرآن ومتأوّليه على أنها همت بالفاحشة والمعصية.

والوجه الثانى فى تأويل الآية أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير، ويكون تلخيصه:

ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها؛ ويجرى ذلك مجرى قولهم: قد كنت هلكت لولا أنى تداركتك، وقتلت لولا أنى خلّصتك، والمعنى: لولا تداركى لهلكت، ولولا تخليصى لقتلت، وإن لم يكن وقع هلاك ولا قتل؛ قال الشاعر:

فلا يدعنى قومى صريحا لحرّة … لئن كنت مقتولا، ويسلم عامر (?)

وقال آخر:

فلا يدعنى قومى صريحا لحرة … لئن لم أعجّل طعنة أو أعجّل (?)

فقدم جواب فَلَوْلا فى البيتين جميعا، وقد استشهد عليه أيضا بقوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ، والهمّ لم يقع لمكان فضل الله ورحمته.

ومما يشهد لهذا التأويل أنّ فى الكلام شرطا، وهو قوله تعالى: لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ؛ فكيف يحمل على الإطلاق، مع حصول الشرط؟ وليس لهم أن يجعلوا جواب لَوْلا محذوفا مقدّرا لأن جعل جوابها موجودا أولى.

وقد استبعد قوم تقديم جواب لَوْلا عليها، قالوا: ولو جاز ذلك لجاز: «قام زيد لولا عمرو»، و «قصدتك لولا بكر» وقد بيّنّا بما أوردناه من الأمثلة والشواهد جواز تقديم جواب لَوْلا، والّذي ذكروه لا يشبه ما أجزناه.

وقد يجوز أن يقول القائل: «قد كان زيد قام لولا كذا وكذا»، و «قد كنت قصدتك لولا أن صدّنى فلان»، وإن لم يقع قيام ولا قصد؛ وهذا/ هو الّذي يشبه الآية؛ وليس تقديم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015