والتأويل الأوّل يشهد له آخر الخبر وهو قوله: «وابدأ بمن تعول»، ويشهد له الحديث الآخر أيضا: «إنّما الصدقة عن ظهر غنى».
وقوله: «اليد العليا خير من اليد السّفلى»، قال قوم: يريد أنّ اليد المعطية خير من الآخذة، وقال آخرون: إنّ العليا هى الآخذة، والسفلى هى المعطية.
وقال ابن قتيبة: ولا أرى هؤلاء إلّا قوما استطابوا السؤال؛ فهم يحتجّون للدناءة؛ ولو كان هذا يجوز لقيل: إن المولى من فوق هو الّذي أعتق، والمولى من أسفل هو الّذي أعتق، والناس إنّما يعلون بالعطايا لا بالسؤال.
قال سيدنا أدام الله علوّه: وعندى أن معنى قوله عليه السلام: «اليد العليا خير من اليد السّفلى» غير ما ذكر من الوجهين جميعا؛ وهو أن تكون اليد هاهنا هى العطية والنعمة؛ لأنّ النعمة قد تسمّى يدا فى مذهب أهل اللسان بغير شكّ؛ فكأنه صلى الله عليه وآله أراد أنّ العطية الجزيلة خير من العطية القليلة. وهذا حث منه صلى الله عليه وآله على المكارم، وتحضيض على اصطناع المعروف بأوجز الكلام وأحسنه مخرجا.
ويشهد لهذا التأويل أحد التأويلين (?) المتقدمين فى قوله: «ما أبقت غنى»، وهذا أشبه وأولى من أن تحمل اليد على الجارحة؛ لأنّ من ذهب إلى ذلك وجعل المعطية خيرا من الآخذة لا يستمرّ قوله؛ لأنّ فيمن يأخذ من هو خير عند الله تعالى ممّن يعطى؛ ولفظة «خير» لا تحمل إلّا على الفضل فى الدين واستحقاق الثواب؛ فأمّا من جعل الآخذة خيرا من المعطية فيدخل عليه هذا الطعن أيضا؛ مع أنّه قد قال قولا شنعا (?)، وعكس الأمر على ما ذكر (?) ابن قتيبة.
فإن قيل: كيف يصحّ تأويلكم مع قوله عليه السلام: «خير الصّدقة ما أبقت غنى» وهى (?) لا تبقى غنى إلّا بعد أن تنقص من غيرها؟ وإذا كانت العطية التى هى أجزل