إن سأل سائل عن الخبر الّذي يروى عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: «توضّئوا ممّا غيّرت النار»، فقال: ما المراد بالوضوء هاهنا ومذهبكم أن مسّ ما غيّرته النار لا يوجب وضوءا؟
الجواب، إن معنى «توضئوا» أى نظّفوا أيديكم من الزّهومة، لأنه روى أنّ جماعة من الأعراب كانوا لا يغسلون أيديهم من الزّهومة ويقولون: فقدها أشدّ علينا من ريحها، فأمر عليه السلام بتنظيف الأيدى لذلك (?).
فإن قيل: كيف يصحّ أن تحملوا الخبر على اللفظ اللغوىّ، مع انتقاله بالعرف الشرعىّ إلى الأفعال المخصوصة، بدلالة أنّ من غسل يده أو وجهه لا يقول بالإطلاق: «توضأت»، ومتى سلم لكم أن الوضوء أصله من النظافة لم ينفعكم مع الانتقال الّذي ذكرناه، وكلامه عليه السلام أخصّ بالعرف الشرعىّ، وحمله عليه أولى من حمله على اللغة.
قلنا: ليس ينكر (?) أن يكون إطلاق الوضوء هو المنتقل من اللغة إلى عرف الشرع، والمختصّ بالأفعال المعيّنة، وكذلك المضاف منه إلى الحدث أو الصلاة وما أشبههما (?). فأما المضاف إلى الطعام وما جرى مجراه فباق على أصله؛ ألا ترى أنّهم لو قالوا: توضأت من الطعام، ومن الغمر (?)، أو توضأت للطعام لم يفهم منه إلّا الغسل والتنظيف، وإذا قالوا:
توضأت إطلاقا، أو توضأت من الحدث أو للصلاة فهم منه/ الأفعال الشرعية؛ فليس ينكر ما ذكرناه من اختصاص النّقل، لأنه كما يجوز انتقال اللفظة من فائدة فى اللغة إلى فائدة فى الشرع على كلّ وجه، كذلك يجوز أن تنتقل على وجه دون وجه، وتبقى من الوجه الّذي لم تنتقل منه على ما كان عليه فى اللغة.
وقد ذهب كثير من الناس إلى أنّ إطلاق لفظة «مؤمن» منتقل من اللغة إلى عرف